الرأي الثاني هو الذي فهمه أبو حيان من كلام ابن مالك، وبناء عليه أخذ يحاسبه حساباً عسيراً، وينقده كما سلف به البيان، أي أنّ الضرورة الشعرية هي التي لا مندوحة للشاعر عنها في أيّ وقت من الأوقات.
وهناك آراء أخرى في الضرورة الشعرية حيث يرى العلامة حازم القرطاجني في كتابه ((منهاج البلغاء)) أنّ الضرورة الشعرية لابدّ أن تكون مستساغة في الذوق البلاغي، ولا يكفي أن تكون جائزة في القواعد اللغوية والنحوية (٢٠) .
والذي يعنينا الآن هو الجانب النحوي اللغوي، وخلاصة ما قيل فيه تتجلّى في الآراء الآتية:
١ - الضرورة هي التي تقع في الشعر سواء أكان للشاعر منها مندوحة أم لا.
٢ - الضرورة هي التي لا مندوحة للشاعر عنها في أي وقت من الأوقات.
وهذا هو الذي فهمه أبو حيان من كلام ابن مالك كما سلف به البيان.
٣ - الضرورة هي التي لا مندوحة للشاعر عنها وقت الإنشاد - وهذا ما يؤخذ من كلام سيبويه، وتابعه فيه كثير من العلماء، منهم أبو حيان وابن مالك في أحد قوليه - وهو الراجح في نظري.
وجاء في شرح الصفار لكتاب سيبويه رأيان أخران فيهما شيء من الطرافة حيث قال:
٤ - ((ومنهم من لم يشترط في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره، بل جُوِّز له في الشعر ما لا يجوز في الكلام وإن لم يضطر، لكون الشعر قد أُلِفَتْ فيه الضرائر، وإلى هذا ذهب أبو الفتح بن جني ومن أخذ بمذهبه)) (٢١) .
٥ - ((ومنهم من ذهب إلى أن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغير الشاعر في كلامه، لأن لسان الشاعر قد اعتاد الضرائر، فجُوِّزَ له ما لم يجز لغيره، وهو مذهب الأخفش)) (٢٢) .
إلى هنا نكتفي بهذه العجالة في ((مفهوم الضرورة الشعرية)) إيثاراً للإيجاز - ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى أمهات الكتب القديمة والحديثة على السواء (٢٣) .