الآن آن لنا أن ندخل في صلب الموضوع ... لنرى أمثال كلمة (الغوانِ) في القرآن الكريم ... هل لها وجود؟
نعم لها وجود بدليل أن لها نظائر متعددة في القرآن الكريم ... وما دام لها نظائر بَطَلَ كونُها من الضرورة الشعرية لأنّ القرآن الكريم ليس من الشعر في شيء، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى:{وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين}(٢٤) .
ومن المعلوم أن كلمة (الغوان) في بيت الأعشى تُمثّل ظاهرة من الظواهر اللغوية، وهي حذف الياء من المنقوص، وقد جاء هذا الحذف في القرآن الكريم بصور متعددة، وفي حالات متنوعة ... جاء في الأسماء والأفعال وفي الفواصل في رءوس الآيات، كما جاء في وسط الآيات في كثير من المواضع ... إلى آخر ما هناك من الكلمات المختلفة في الشكل ولكنها متفقة في ظاهرة الحذف (حذف الياء من المنقوص) وإليك البيان بالتفصيل:
لا أريد أن أستشهد هنا بآية الفجر:{والليل إذا يَسْرِ}(٢٥) ، حيث جاءت فيها كلمة (يسر) محذوفة الياء - وكذلك كلمة (نَبْغِ) من قوله تعالى في سورة الكهف:
{ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا}(٢٦) ومثلهما آية هود حيث جاءت فيها كلمة (يأتِ) محذوفة الياء كذلك في قوله تعالى: {يوم يأتِ لا تَكَلّمُ نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد}(٢٧) .
لا أريد أن أستشهد بشيء من ذلك ... خشية أن يقال: إن وجه الشبه لم يكتمل بينها وبين كلمة (الغوانِ) في بيت الأعشى لاختلاف النوع بينهما، فالغوانِ اسم من الأسماء، وتلك أفعال مضارعة كما هو معلوم للجميع، ولا يجوز ولا يصح أن نقيس الأسماء بالأفعال.