ورابع مثال على تسميته تعالى أحداث الزمان الماضي غيبا قصة آل عمران حيث قال تعالى بعد ذكره خبر امرأة عمران، ونذرها لله بما في بطنها، وولادتها لمريم، وكفالة نبي الله زكريا (لها، ونشأتها نشأة صالحة في طاعة ربها، وما كان من دعاء زكريا ربه أن يهب له ذرية طيبة، وبشارة الملائكة له بيحيى ومخاطبة الملائكة لمريم بأمر الله تعالى واصطفائه إياها على نساء العالمين؛ بعد ذكر ذلك كله قال عز وجل: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ((١) .
وبعد أن سمى الله تعالى ذلك غيبا بين سبب غيبية ذلك بقوله: (وما كنت لديهم (أي أن عدم وجودك في ذلك الزمان والمكان جعل ذلك غيبا عنك.
وهكذا بين الله تعالى لنا أن هذا القسم مما مضى به الزمان وانقضى من عالم الشهادة غيب بسبب أن المخبر به لم يكن في ذلك الزمان والمكان أي أنه غيب نسبي.
وهذا الغيب مع أنه من عالم الشهادة فإن العلم به على سبيل الإحاطة ليس إلا لربنا تبارك وتعالى، فإذا علمنا بشيء منه عن طريق الوحي الرباني، أو النقل الصحيح لم يكن علمنا به علما شاملا محيطا، بل هو علم جزئي يعتبر قطرة من بحر علمه تعالى يعلم ببعضه من يشاء من عباده المصطفين ويطلعهم عليه بقدر ما تقتضي حكمته تعالى وهو الحكيم العليم.