للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أنك حينما تنظر إلى شيء تراه أمامك لا تراه إلا من جانب واحد، حسب الجهة التي تليك منه، وأما ما لا يواجهك من جوانبه الأخرى فأنت لا تحيط به، وزد على هذا أنك تعلم الظواهر ولا تعلم البواطن والخفايا، ولهذا وصف الله الكافرين بعدم العلم، ثم وصفهم بأنهم يعلمون بظواهر الأمور في هذه الحياة، قال تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ((١) .

وهذا ما يسمى بانفكاك الجهتين أي أن العلم المنفي غير العلم المثبت.

المبحث الحادي عشر: وسائل العلم به

إن لغيب الزمن الماضي وسائل تمكن الإنسان من العلم به، وقد تنوعت تلك الوسائل قديماً، وتعددت حديثاً، ولم يزل الناس يسعون للعلم بأخبار الغابرين من الأمم بوسائل شتى، وإليك بيان تلك الوسائل حسب أهميتها وأقدميتها التاريخية:

الوسيلة الأولى: وحي الله تعالى إلى أنبيائه ورسله:

لأن أخبار الله تعالى أصدق الأخبار، وأنبياؤه ورسله أعدل من حمل أخبار الله ونقلها إلى الناس، وورثتهم من العلماء العاملين أحرص الناس على نشر ما بلغتهم الأنبياء والرسل من أخبار الله على الوجه الذي حملوه، وهذه الوسيلة أعظم الوسائل الصحيحة وأقدمها وجوداً مع الإنسان في تاريخه الطويل.

الوسيلة الثانية: الأخبار الصحيحة:

إن الأخبار المنقولة نقلاً صحيحاً من الوسائل التي استفاد الإنسان منها العلم بأخبار من مضى من الأمم، وقد سلك الناس في ذلك ثلاثة مسالك:

المسلك الأول/ الكتابة:

وهذا المسلك أكثر انتشاراً وازدهاراً في المجتمعات البشرية، حيث ألفت فيه كتب وبيضت فيه صحف، تناقلوا فيها الأخبار الماضية من تواريخ الملوك والأمم والأنبياء والرسل والقبائل والدول، والحروب والحوادث والفتن مما امتلأت به صفحات التاريخ، غير أن المفيد للعلم منها ما كان صحيح النقل ولم يكن مبنياً على استنتاج أو استنباط أو تحامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>