ثم قالوا: وطالما أن العقل الأرفع يعقل المهيمن في انبثاقه من فيضه فلا يتميز عنه في جوهره ووحدته)) (١) .
ثم بينوا أن هذا النور الذي هو العقل الأول انبثق عنه الظلمة فقالوا: وطالما أن العقل الأرفع يعي المهيمن في انبثاقه من فيضه فلا يتميز عنه في جوهره ووحدته فما كان لهذا العقل أن يفطن إلى وجود صورته، ولكنه ما لبث بحكمة غير مدركة أن تحول نظره إلى نفسه، فرآها دون نظير يشاكلها، فأعجب بها، والإعجاب إنفراد المبدَع بذاته عن الإبداع ولو فترة من التخلي، والالتفات إلى ما سوى النور المحض وغيبة عنه فولدت ظلمة الأنِّية في مقابلة النور الفائض المشرق من ذات الوجود وكان انبثاق الثنائية من الأحدية المحض نوراً وظلمة في البدء.
فهذا بينوا به بروز ما سموه الظلمة من النور ثم شرحوا انبثاقاً آخر من العقل الأول فقالوا:
((ثم إن العقل الأرفع تنبه إلى منحنى هذا التحول فعاد ببصيرته إلى الجوهر الأول الذي تنزه عن فعل الخلق ووعي حقيقته كما هي صورة نوارنية في فيض نور المهيمن الأزلي فانبثق عنه بسبب التفاته إلى الجوهر الأول المقابل له وهو الظلمة)) .
وهذا العقل -إن صح التعبير- انبثق عندهم منه: الغيبة عن وعي الوجود فصار ازدواجاً في الموجودات وهي: النور والظلمة، أو الوجود والغيبة عن وعي الوجود، وعنهما صدرت المخلوقات بسبب الحركة المتغيرة وفي هذا قالوا:
((وهكذا برزت في مقابل النور المحض الظلمة المحضة، وفي مقابل الوجود الأرفع الغيبة عن وعي الوجود الأول، فتم الإزدواج: نور وظلمة، وجود وغيبة عن وعي الوجود.
وبانطلاق هذا الازدواج من عقاله حصل التكوين، إذ التكوين هو تولد دائم من وبين الازدواجات المتناقضة، فمن ذينك المتضادين النور والظلمة، أو الوجود والغيبة عن وعي الوجود، حصل التكوين المتحرك المتغير)) (٢) .