وقال الحسين بن منصور (١) وقد سئل عن الصوفي فقال: هو وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحداً.
وقال أبو سهل الصعلوكي (٢) : التصوف الإعراض عن الاعتراض (٣) .
إلى غير ذلك من الأقوال.
وهذه التعريفات السابقة تنبئ عن وجه من أوجه التصوف، إلا أنا إذا نظرنا إلى التصوف بمنظار أشمل يعم كثيراً من السابقين واللاحقين، فيمكن أن نقول عنه:
إن التصوف هو: مذهب أوله الابتداع في الزهد والمجاهدة والأذكار ثم غلا بعض المنتسبين إليه،حتى صار غايته عندهم الحلول ووحدة الوجود.
نشأة الصوفية وتطورها:
إن ظاهر ما يقوم عليه التصوف هو الزهد وترك الدنيا هذا ظاهر أمر الصوفية وأصله، والزهد في الدنيا وإيثار الآخرة مطلوب شرعاً إلا أن الطريقة فيه مسنونة من قبل النبي (، فقد كان أكمل الزهاد وأعظمهم، ومن بعده أصحابه رضوان الله عليهم، ولا يتنافى مع الزهد المشروع أكل الطيبات وكسب الطيبات لأن الزهد المشروع هو: عدم الحرص على الدنيا والتنافس فيها وتقديمها على الآخرة بل اعتبارها مزرعة للآخرة، فيأخذ العبد منها ما يعينه على العبادة ويقربه من ربه (مع عدم اشغالها للعبد عن العبادة، ومع عدم دخولها قلبه، وعدم التفريط في الواجب من أجلها، بل يسعى في تحصيلها لينفقها في سبل الخير ومرضات الله (، ويتخذها مطية إلى أرفع الدرجات في الآخرة وقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري عن ابن مسعود (مرفوعاً: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته بالحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (٤) .