للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفاراً وشراداً لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار، ومعلوم أن في لحم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه) (١) .

ويظهر لنا من هذا الدليل ما يلي:

إن النهي عن الصلاة في معاطن الإبل والأمر بها في مرابض الغنم حكم معلل بالسكون في الغنم والنفار في الإبل.

إن الأمر بالوضوء من لحم الإبل – في نفس الدليل – معلل مثله، والعلة فيه شدة الزهومة في لحم الإبل.

إن العلة المذكورة – شدة الزهومة – تصرف الوضوء من معناه الشرعي (الوضوء للصلاة) إلى معناه اللغوي (النظافة) .

وأجب بالآتي:

عدم التسليم بالتعليل في الحكم الأول (النهي عن الصلاة في معاطن

الإبل..) لأن الحكم تعبدي (٢) ، يؤكد ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه (٣) عن البراء بن عازب قال:

(... وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشيطان، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة) .

لو سلمنا – جدلاً – بالتعليل المذكور في الصورة الأولى فظاهر أن الحكمين تعاكسا لتعاكس العلة، النفار في الإبل والسكون في الغنم، أما الصورة الثانية (الوضوء من لحم الإبل ...) فإن الزهومة علة مشتركة بين لحم الإبل والغنم فافترقت الصورتان.

إن جعل إزالة الزهومة علة للأمر بالوضوء اللغوي (النظافة) يرده أن الشارع فرق في الحكم بين لحم الإبل ولحم الغنم فأمر بذلك في لحم الإبل ولم يأمر في لحم الغنم مع أن إزالة الزهومة (النظافة) مطلوبة في الحالين.

يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) (٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>