ولا يقال إن في لحم الإبل زيادة زهومة على لحم الغنم لأن ذلك لا يوجب اختصاص الإبل الحكم إذ أنه عليه السلام شرب لبناً فمضمض وقال إن له دسماً (١) ، وفي رواية ابن ماجه (٢) :
(إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً) . (٣)
ومن هذا العرض للقرائن الصارفة للوضوء عن معناه الشرعي إلى معناه اللغوي والمناقشات الواردة عليها يتضح لنا ضعف هذه القرائن الصارفة وسقوطها، بل إن الدليل المؤول حفت به قرائن تؤكد إرادة المعنى الشرعي للوضوء وتنفي إرادة المعنى اللغوي، ونجمل هذه القرائن في الآتي:
١- إن راوي الدليل جابر بن سمرة رضي الله عنه فهم منه الوضوء الشرعي وهو أعلم بمعنى ما سمع. (٤)
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (٥) بسنده عن جابر بن سمرة قال:
(كنا نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم) .
٢- إن الأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف، فإذا حمل الوضوء على غسل الفم واليدين اقتضى ذلك وجوبه، ولا قائل به. (٦)
٣- إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء في سياق الصلاة مبيناً حكم الوضوء والصلاة في هذين النوعين، والوضوء المقرون بالصلاة هو وضوؤها لا غير. (٧)
٤- إن السائل إنما جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الوضوء الشرعي لا عن نظافة يديه وفمه بعد أكل لحم الإبل أو الغنم.
٥- (إن الأمر بالتوضؤ من لحم الإبل: إن كان أمر إيجاب امتنع حمله على غسل اليد والفم، وإن كان أمر استحباب امتنع رفع الاستحباب عن لحم
الغنم، والحديث فيه أنه رفع عن لحم الغنم ما أثبته للحم الإبل، وهذا يبطل كونه غسل اليد، سواء كان حكم الحديث إيجاباً أو استحباباً) . (٨)
المناقشة الثالثة:
إن الأمر في الدليل محمول على الاستحباب، قال الإمام الماوردي في الحاوي (٩) الكبير.
(... وهذا الحديث محمول على الاستحباب والإرشاد) .