٣ - إن المشقة المعتادة لا تسمى حرجاً، قال الإمام الشاطبي في الموافقات (١) :
(... وأصل الحرج الضيق، فما كان من معتادات المشقات في الأعمال المعتادة فليس بحرج لغة ولا شرعاً) .
وقال أيضاً:(... حيث تكون المشقة الواقعة بالمكلف في التكليف خارجة عن معتاد المشقات في الأعمال العادية، حتى يحصل بها فساد ديني أو دنيوي، فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة ... ولذلك شرعت فيها الرخص مطلقاً.
وأما إذا لم تكن خارجة عن المعتاد، وإنما وقعت على نحو ما تقع المشقة في مثلها من الأعمال العادية، فالشارع وإن لم يقصد وقوعها فليس بقاصد لرفعها أيضاً، والدليل على ذلك أنه لو كان قاصداً لرفعها لم يكن بقاء التكليف معها، لأن كل عمل عادي أو غير عادي يستلزم تعباً وتكليفاً على قدره، قلَّ أو
جلَّ، إما في نفس العمل المكلف به، وإما في خروج المكلف عما كان فيه إلى الدخول في عمل التكليف، وإما فيهما معاً، فإذا اقتضى الشرع رفع ذلك التعب كان ذلك اقتضاء لرفع العمل المكلف به من أصله، وذلك غير صحيح، فكان ما يستلزمه غير صحيح) (٢) .
المناقشة الخامسة:
إن هذه الأحاديث آخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوى ويغلب وجوده ولا يقبل خبر الواحد في مثله (٣) .
وأجيب بأن جمهور الفقهاء والأصوليين (٤) لا يسلمون بهذه القاعدة بل يرون أن أحاديث الآحاد يعمل بها فيما تغم به البلوى كما يعمل بها في غيره مادامت شروط الصحة قائمة.
إشكال ورده:
والإشكال هو:
أن الأمر في الحديث محمول على الإباحة، لأنه أمر بعد استئذان (٥) .
قال العلامة ابن اللحام في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) :
(إذا فرعنا على أن الأمر المجرد للوجوب، فوجد أمر بعد استئذان فإنه لا يقتضي الوجوب، بل الإباحة، ذكره القاضي محل وفاق، قلت: وكذلك ابن عقيل ....