إذا تقرر هذا فلا يستقيم قول القاضي وابن عقيل في استدلالهما على نقض الوضوء بلحم الإبل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم، لما سئل عن التوضي من لحوم الإبل فقال:(نعم، فتوضأ من لحوم الإبل) .
ومما يقوي الإشكال أن في الحديث الأمر بالصلاة في مرابض الغنم، وهو بعد سؤال، ولا يجب بلا خلاف ...) (١) .
ثم أجاب ابن اللحام عن هذا الإشكال – بصيغة التمريض – بقوله:
(وقد يقال: الحديث إنما ذكر فيه بيان وجوب ما يتوضأ منه، بدليل أنه لما سئل عن الوضوء من لحوم الغنم قال: (إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا
تتوضأ) مع أن التوضي من لحوم الغنم مباح، فلما خير في لحم الغنم، وأمر بالوضوء من لحوم الإبل دل على أن الأمر ليس هو لمجرد الإذن بل للطلب الجازم، والله أعلم) (٢) .
قلت: ويمكن أن يعقب على هذا الإشكال بالتالي:
إن الأصوليين مختلفون في دلالة الأمر (٣) بعد الاستئذان فإذا كان بعضهم يذهب إلى الإباحة فإن الكثير منهم يقرر الوجوب (٤) .
١ - إن جعل العلامة ابن اللحام الحديث (أتوضأ من لحوم الإبل؟ ...) من باب الأمر بعد الاستئذان غير ظاهر لي لأن الاستئذان طلب إباحة الشيء وإجازته، قال في المفردات (٥) : (والإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه) .
وقال في المصباح المنير (٦) : (أذنت له في كذا: أطلقت له فعله) .
وقال في لسان العرب (٧)(أذن له في الشيء إذنا وأذيناً: أباحه له) .
أقول: وهذا يقتضي – كما هو ظاهر – أن الشيء كان قبل الاستئذان محظوراً على المستأذن، أي أن الأمر بعد الاستئذان هو في معنى الأمر بعد
الحظر، ولذا رأينا الأصوليين يقرنون (٨) بين الأمر بعد الاستئذان والأمر بعد الحظر في الحكم.