للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الإسلام حين يدخل المجتمعات البدائية ينشئ الحضارة المناسبة لهذا المجتمع حيث ينتقل الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، وتكتسي أجسامهم العارية وفقاً لما جاء عن الله، وينتقلون من الخمول والبلادة إلى النشاط، والعمل الموجه لإستغلال كنوز الأرض وخيراتها، ويخرجون من طور القبيلة والعشيرة إلى طور الأمة الإسلامية، ومن وشيجة الأرض والطين إلى وشيجة العقيدة والدين، ومن طور الأمية والجهل إلى طور العلم وإعمال العقل فيما يرقي من أمور الحياة وهذه هي الحضارة التي ينقل الإسلام هذه الفئة إليها، وحين يدخل المجتمعات المتقدمة صناعياً أو زراعياً فإنه يستخدم كل ما لديها من معطيات ويقيم حضارة هذه المجتمعات مستفيداً مما لديها فيما لا يخالف قيمه وتعاليمه، وهكذا يقيم الإسلام أشكالاً مختلفة ومتنوعة من الحضارات تختلف بإختلاف البيئات التي يدخلها.

إن هذه الصبغة الإنسانية النابعة من العقيدة الإسلامية هي التي تفسر لنا إجتياح الإسلام لفكر الإمبراطوريات التي فتحها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وصياغتها صياغة جيدة وكأن تلك الثقافات والموروثات التي عاشت عليها تلك المجتمعات قروناً كثيرة كأن لم تكن.

إن مهمة العلم في المجتمع الإسلامي المتحضر ليست قهر الطبيعة أو الإنتصار عليها بل التلطف معها، والجد في إكتشاف قوانين الله فيها، فالطبيعة ما خلقها الله لتقهر بل لإستخراج خيراتها ومكنوناتها التي أودعها الله فيها، وجعلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي سخر له الأرض وما فيها وما عليها قال الله تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) (١) وقال: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم) (٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>