للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البطال رجلاً على مقدمتهم، وآخر على ساقتهم، لا يخلَّف جريحاً، ولا ضعيفاً فيما قدر عليه، وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناس من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم من يقول: أيها الناس الحقوا، فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم أيها الناس الحقوا فإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق ويهيء منزلكم بسنادة، فمضى الناس فلم يصبحوا إلا وقد دخلوا سنادة، وافتقدوا البطال، فأجمع رأيهم على تحصينها والقتال عليها. قال: وأصبح البطال في مكانه في المعركة، به رمق، فلما كان من الغد ركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة فوجدهم قد دخلوا سنادة إلا البطال ومن بقي معه، فأخبر به، فأتاه حتى وقف عليه، فقال: أبا يحيى، كيف رأيت؟ قال: ما رأيت، كذلك الأبطال، تَقتلُ، وتُقتلْ، قال ليون: علىّ بالأطباء، فأتي بهم، فأمرهم بالنظر في جراحه،فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله، فقال: هل من حاجة؟ قال: نعم، تأمر من ثبت معي، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصلاة علي ودفني، وتخلي سبيل من ثبت عندي، ففعل ذلك، وقصد إلى الناس بسنادة، فحاصرهم، فبينما هم على ذلك إذ أشرف من سند أو شيء مشرف على فرسه في رجال على خيول الطلائع، وهو يقول، أيها الناس، أنا ثابت البهراني رسول الأمير سليمان بن هشام، يخبر سرعة سيره إليكم، وهو آتيكم أحد اليومين، فسر ذلك المسلمين، وأصبح ليون سائراً بعسكره، قافلاً إلى القسطنطينية حتى دخلها، وأقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة، وأصلح إلى من كان بها حتى رحل عنها.

وقال الشاعر:

ألم يبلغك من أنباء جيشٍ

بأقرُنَ غودروا جثثاً رماما

غدوا من عندنا بصريم أمر

يجوبون المهاوي والظلاما

تقودهم حتوف لم يطيقوا

لها دفعاً هناك ولا خصاما

ولاقتهم زحوف الروم تهدي

بجرار الضحى بعض الأكاما

كأن جموعَهم لما تلاقوا

ركامٌ رائح يتلو ركاما

تلألأ بعضهم لما أتوهم

<<  <  ج: ص:  >  >>