واستدلَّ ابنُ مالك بمجيء النَّصب في قوله تعالى:{والنَّجمُ والشَّجرُ يسْجُدان والسمَّاءَ رَفَعها}(١) ، وقوله تعالى:{والشَّمسُ تجرى لمستقرٍّ لها ذلك تقديرُ العزيزِ العليمِ، والقمرَ قدَّرناه منازلَ حتى عاد كالعرجون القديم}(٢) .
فالجملة المعطوفةُ في الآيتين تخلو من ضميرٍ يعودُ إلى المبتدأ.
وهذا دليلٌ كافٍ لتصحيح مذهبِ سيبويه، ويضاف إليه أنَّ الثَّوانيَ يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأوائلِ.
والثاني: موافقة الأخفش والزِّياديّ في اشتراط الضمير، ومن أصحاب هذا النحو المبرّدُ، والسِّيرافي، وابنُ يعيش، والجاميُّ (٣) .
وذكر السِّيرافي أنَّ سيبويه في ظنِّه يشترط الضمير، ولكنَّه اشتغل بتوضيح المسألة، فلم يراعِ صحَّةَ لفظِها ومثالها (٤) .
وظنُّه بعيدٌ لسببين:
أحدهما: أنَّ سيبويه مثَّل للمسألة بمثالين خلت فيهما الجملةُ المعطوفةُ من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ، واحتمالُ وقوعِ الخطأ في المثالين بعيدٌ.
والآخر: أنَّه استدلَّ على المسألة بنحو: زيدٌ لقيت أباه وعمروٌ، أو عمراً، بالرَّفع عطفاً على المبتدأ، وبالنَّصب عطفاً على المفعول به، ولوجعل المعطوفُ مكان المفعول به لَفَسَد الكلامُ؛ لخلوِّ جملة الخبر من الرابط، فهذا يؤيِّد أنَّه يقصد خلوَّ الجملة المعطوفةِ في مسألة الاشتغال من عائدٍ إلى المبتدأ.
ونحو ظنِّ السيرافي ما جَزَمَ به ابنُ يعيش في شرحة كلام الزمخشري (٥) ، والجاميُّ في شرحه قولَ ابن الحاجب:"ويستوي الأمران في مثل: زيدٌ قام وعمراً أكرمته"(٦) .
والثالث: ترجيحُ النَّصبِ، وهو مذهب أبي عبيد القاسم بن سلام، واحتجَّ بأنَّ قبل الاسم المشتغل عنه فعلاً، وبعده فعلاً (٧) .
والرابع: ترجيحُ الرَّفعِ، وهو مذهبُ الصَّيمري والحريري، وهما يرجِّحان الرَّفعَ مع وجود الضَّمير في الجملة المعطوفة (٨) .
والخامس: اشتراطُ العَطْفِ بالواو أو الفاءِ لجواز النَّصبِ، وهو مذهب هشام ابن معاوية (٩) .