وفيها يمزج الفخر بالتهديد، فهو يبدأُها بالفخر بمجمل القيم الجاهلية من شجاعة، وكرم ومقدرة شعرية، وقدرة على قطع الصحاري الموحشة على ناقة قوية ظهرت في جلدها آثار الأنساع، يواصل عليها السير ليلاً ونهاراً حتى تبلغه أبواب ملك الحيرة، ويختمها بتهديد قيس بن الخطيم، وقومه الأوس، بأنهم سيلقون من الخزرج ليوثاً تدافع عن عرين وتحمي أشبالاً، ويعيرهم بالهزيمة، والقعود عن الأخذ بالثأر، وعن بلوغ العلياء، ثم يتهم قيس بن الخطيم بأنه لا شأن له بالحرب، لأنه إنما يجيد مغازلة النساء، ومعابثتهن، والتكحل مثلهن.
... ومن الواضح أن حساناً وجد نفسه مضطراً إلى الرد السريع على خصمه ابن الخطيم، الذي هجا الخزرج وافتخر عليهم بعد قتال بالسرارة استمر أربعة أيام، نال فيها كل فريق من خصمه، وأثخن فيه (١١) . وأمام تلك الظروف الحرجة لم يجد حسان من الوقت ما يتيح له التريث بين يدي القصيدة، أو التمهيد لها بمقدمة ما، لإلحاح الرد على نفسه، وإحساسه بضرورة مقابلة فخر قيس وهجائه بفخر وهجاء مثلهما أو أشد.
... والقصيدة الرابعة من هذه القصائد قالها حسان في هجاء شاعر أوسيّ آخر هو أبو قيس بن الأسلت (١٢)(ت قبل الهجرة بقليل) ، بعد لقاء بين الأوس والخزرج بالبويلة (١٣) ، اقتتل فيه الفريقان قتالاً شديداً، ودارت فيه الدائرة على الأوس، فقالها حسان يهجو أبا قيس والأوس ويفتخر عليهم، ومطلعها (١٤) :