للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِمَنٌ تَعاقبها الرياحُ دَوَارسٌ

والمُدْجِناتُ من السِّماك الأعْزلِ

فالعَيْنُ عانِيةٌ تفيضُ دمُوعُها

لمنازلٍ دَرَسَتْ كأنْ لم تؤْهلِ

دارٌ لقومٍ قد أراهمْ مرَّةً

فوق الأَعِزَّةِ عزُّهُم لمْ يُنْقَلِ

... ومن الواضح أنّ حساناً تمسك في هذه المقدمة بعدد من مقومات المقدمة الطللية، وعناصرها؛ فقد حدّد مكان الديار تحديداً دقيقاً، يدل على ارتباطه النفسي بها، وساءَل رسومها عن أهلها، وشبه أطلالها المقفرة بآثار الكتابة، وذكر ما درسها من الرياح والأمطار؛ وإن لم يذكر ما ذرته عليها الرياح من رمال، وذرف الدموع الغزيرة على ما آلت إليه حال تلك الديار من وحشة، وعطف بين الأماكن بالفاء.

... ولكنه في الوقت نفسه تخلّى عن عدد آخر من مقومات المقدمة التقليدية، فلم يسترجع ذكرياته بها، ولم يصف ما بقي من آثارها كالنؤي، وبقايا الرماد، والأثافي، والأوتاد. ولم يتحدث عما حل بها من حيوانات الصحراء؛ كما تخلى عن فكرة الرفيقين اللذين كان شعراء المرحلة الأولى من حياة الشعر الجاهلي يحرصون على إظهارهما، وتوجيه الخطاب إليهما، ولم يخاطب الصحب أو يستوقفهم، ولم يكن حريصاً على سرد ذكريات يوم الرحيل.

... ويبدو أن مسألة التخلص من العناصر الموروثة للمقدمة قد قطعت عند حسان شوطاً أبعد مما كانت عليه عند زهير ومدرسته؛ فالناظر في معلقة زهير يجد أنه لم يتخلَّ إلا عن قليل من العناصر، مثل: البكاء على الطلل، ومخاطبة الرفيقين؛ ولكن حساناً تخلى عن عدد أكثر من تلك العناصر؛ بل ليس من المبالغة القول إن ما تخلى عنه أكثر مما أبقى عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>