للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. ولا يجد قارئ هذه المقدمة الحرص على التفاصيل والجزئيات والعناية بالألوان اللذين يجدهما في مقدمات زهير، كما لا يلمس الروية والأناة، ولا التدقيق في اختيار الألفاظ اللذين يجدهما في معلقته؛ ومعنى هذا أن اتجاهاً جديداً أخذ في الظهور عند حسان يبدو فيه حرصه على التركيز والتكثيف، وتظهر فيه نزعة واضحة إلى التخلص من كثير من قيود المقدمة التقليدية، وتقاليدها الموروثة.

... وإذا كان الجنوح إلى التعبير بالصورة يعد مظهراً من مظاهر تطوّر المقدمة الطللية عند شعراء مدرسة الصنعة (٧٩) ، فإن الاقتصاد في التعبير بالصورة يعدّ من العلامات المميزة للمقدمة الطللية عند حسان، كما يتضح في مقدمته السابقة.

... ولعل من الجديد الذي يجدر تسجيله في هذه المقدمة ذكر أماكن تقع خارج الجزيرة العربية.

... والمقدمة الثانية التي تمثل المقدمة الطللية المنفردة مقدمة قصيدته الطائية التي مطلعها (٨٠) :

لِمن الدارُ أقْفَرتْ بِبُواطِ

غَيْرَ سُفْعٍ رَوَاكِدٍ كالغَطَاطِ

... وهو يفتتحها بالتساؤل عن أهل دار أقفرت من ساكنيها في موضع يدعى (بواط) عاثت فيها يد البلى، فبدلت ملامحها، وغيرت معالمها، ولم تبق منها سوى حجارة الموقد السود، تجثم كأنها القطا الوقع.

... ولا يلبث أن يستيقظ من حيرته، ويجيب على تساؤله الحزين بأنّ تلك الأطلال الدارسة ليست سوى ديار أحبته الظاعنين. وها هي ذي قد أقفرت من أهلها، وخبت فيها شعلة الحياة، بعد أن كانت تعج بالحركة والحيوية، إنها ديار فاتنته (أم عمرو) التي ما تزال ذكرياتها حية في نفسه، وإنه ليذكرها إذ تسأله عن سبب تماديه في هجرها، بعد أن كانت حبال وده موصولة بحبالها.

... وحين تهيج في نفسه الذكرى يلتمس من يبلغها على نأيها بأنه ما يزال مقيماً على عهدها، يرعى ودها، ويحفظ سرها، ثم دلف إلى الفخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>