ثَلاثٍ كأَمْثالِ الحَمَائِمِ جُثَّمِ
وغيرُ شَجِيجٍ ماثِلٍ حالَفَ البِلى
وَغَيْرُ بَقايا كالسَّحيقِ الْمُنَمْنَمِ
تَعِلُُّ رباحَ الصيفِ بالي هَشيمِهِ
على ماثِلٍ كالحَوْضِ عافٍ مُثَلَّمِ
كَسَتْهُ سَرابيلَ البِلَى بَعْدَ عَهْدِهِ
وَجَوْنٌ سَرَى بالوابِلِ الْمُتَهَزِّمِ
وكُلُّ حثيثِ الوَدْقِ مُنْبَجِسِ العُرَى
مَتَى تُزْجِهِ الرِّيحُ اللواقِحُ يَسْجُمِ
ضَعيفُ العُرى دانٍ من الأرضِ بَرْكُهُ
مُسِفٍّ كمثْلِ الطَّوْدِ أكظَمِ أَسْحَمِ
وَقَدْ كانَ ذَا أَهْلٍ جميعٍ بغبطة
إذَ الوصلُ وصلُ الودِّ لمْ يَتَصَرَّمِ
وإذْ نحنُ جيرانٌ كثيرٌ بِغِبْطَةٍ
وإِذْ ما مَضَى من عَيْشِنَا لم يُصَرَّمِ
فإِنْ تَكُ ليْلَى قَدْ نَأَتْكَ ديارُها
وَضَنَّتْ بِحَاجَاتِ الفُؤادِ المُتَيَّمِ
وهَمَّتْ بِصَرْمِِ الحَبْلِ منْ بعدِ وَصْلِهِ
وَأَصْغَتْ لقوْلِ الكَاشِحِ المُتَزعِّمِ
يُغَيِّرُهُ نَأْيٌ ولوْ لمْ تَكَلَّمِ
وإنْ صَرَّمَ الخُلاَّنُ بالمُتَجَذِّمِ
لَديَّ فَتَجْزِيني بِعاداً وتَصْرمي
وما كَظَّ صَدْري بالحديثِ المُكَتَّمِ
عَليَّ ونَثُّوا غَيْرَ ظَنٍّ مُرَجَّمِ
وحسان في لوحة الطلل في مقدمته السابقة يبدو أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات، وأقل تشبثاً بالتركيز والتكثيف. ومع ذلك فهي لم تستوف جميع عناصر المقدمة الطللية التي تمسك بها شعراء المرحلتين الأولى والثانية من العصر الجاهلي.فقد سكت فيها حسان عن كثير من التقاليد الأساسية في المقدمة الطللية، فهو لم يستوقف الصحب، ولم يطلب إلى رفيقيه أن يسعداه بالبكاء، كما لم يسفح الدموع على الطلل المحيل، ولم يحدد مكانه بذكر أسماء المواضع، ولم يعطف بعضها على بعض بالفاء، ولم يتعرض لقطعان الظباء وبقر الوحش والنعام في معرض حديثه عن إقفار الديار ووحشتها، وغض الطرف عن ذكر ما حلّ بها من حيوان.