للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. ومن جهة أخرى حافظ حسان على عناصر تعد من مقومات المقدمة الطللية، فاستفسر عن الأهل الظاعنين، واسترجع ذكرياته بالديار، وذكر ما تبقى من آثارها، وما درسها من الرياح والأمطار. وشبه بقاياها بخطوط الثوب المطرّز، كما شبه الأثافي بالحمائم الجثم، وذكر ما ذرته الرياح فوقها من هشيم يابس.

... ومن مظاهر ميله إلى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات في هذه المقدمة استعانته الواضحة بالتصوير البياني القائم على التشبيه في المقام الأول، ثم على الاستعارة: فقد شبه الرسوم البالية بثوب فارسيّ بلا كمين، خيط أحد شقيه، وبثوب خلق موشى، وشبه الأثافي الباقية بالحمائم الجاثمة، والنؤي الدارس بالحوض الذي تكسرت حوافه. واستعار العلل والنهل لهبوب الرياح على الأطلال مرّة إثر أخرى. وجعل الوتد حليفاً للبلى، والسحاب حين يدنو من الأرض حيواناً جاثماً، والرياح تكسو الأطلال سرابيل البلى، وانهمار المطر عليها عرى تنفصم، والسحب الموقرة بالمطر جبالاً سوداً.

... ويظهر ميله إلى التفصيل أيضاً في ذكره لما تبقى من آثار الديار، حيث ذكر الأثافي، والوتد والنؤى، ورسم لكل منها صورة بيانية.

... وفي ذكره لمنزل أحبته لم يكتفِ بوصفه بالعافي، وبخالي المبادي، وببالي الهشيم؛ بل أضاف إلى هذه الأوصاف تشبيهه بالخياعيل السابرية المرسمة، وبالسحيق المنمنم.

... ويبدو هذا الميل أيضاً في وصفه للسحاب وما يتصل به من رعد ومطر، فقد وصفه بأنه أسود، يتفجّر قطره ليلاً بغزارة واستمرار (يسرى بالوابل) ، وبأنه منبجس العرى، حثيث الودق، دان من الأرض، يقصف رعده، ويومض برقه. هذا فضلاً عما رسم له من الصور.

<<  <  ج: ص:  >  >>