للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. ويبدو أن هذه اللوحة هي أكثر لوحات حسان الطللية قرباً من مقدمات زهير وأصحابه من شعراء المرحلة الثانية؛ حيث بذل فيها حسان جهداً فنياً واضحاً، واهتم بالتفاصيل والجزئيات، وعني باختيار الظلال والألوان، والزوايا، وعبر من خلال الصور البيانية.

... وفيما يتعلق باللوحة الغزلية في هذه المقدمة، فقد اقتصر فيها حسان على التعبير عن لواعجه، وعواطفه، وما اكتوى به من وجد، ولوعة، وعلى الحديث عن وفائه، وتشبثه بحب صاحبته، وإنْ بدا منها صدّ وصرم؛ كما عرض لذكريات أيام الوصل، قبل أن يقلب له الدهر ظهر المجن، ويتبدل بالغبطة حزناً، وبالوصل صرماً، وبالود هجراً.

... ولكنه ضرب صفحاً عن وصف مشهد الوداع الشائع في المقدمات الغزلية، ولم يصف صاحبته وصفاً حسياً أو معنوياً؛ أو يتغن بجمالها الجسدي أو النفسي كما لم يصرح بذكر اسمها.

... وساد عبارته في هذه اللوحة السرد. وقلّ فيها اعتماده على الصورة، كما هو الأمر في اللوحة السابقة (لوحة الطلل) ، فلم يستعن بالصورة إلا في استعارة الحبل لعهد الحب، حيث جعله حبلاً واهياً منجذماً رثاً من طرفها، وعلى عكس ذلك من طرفه. كما جنح إلى السهولة والرقة في هذه اللوحة لأنه يعبر عن عواطفه، ويمتح من نفسه، فتخفف من غرابة اللفظ، وجزالة العبارة اللتين وسمتا عبارته في اللوحة الأولى، وفرضهما عليه فيما يظهر تشبثه بتقليد السابقين، ومجاراتهم في لوحة الطلل.

... والثانية: قصيدته النونية التي يمدح بها جَبَلة بن الأيهم صاحب التاج الغساني، ومطلعها (٩١) :

لمنِ الدّارُ أوْ حَشَتْ بِمَعانِ

بين أَعْلى اليَرْموكِ فالخَمَّانِ

وعدتها عشرة أبيات ذهبت المقدمة منها بثمانية. وفي ذلك ما يشير إلى أن المدح قد حذف منها، لأنها تقف عند قوله:

قدْ أَراني هُنَاكَ حَقَّ مَكِينٍ

عِنْدَ ذي التَّاجِ مَقْعَدي وَمَكَاني

<<  <  ج: ص:  >  >>