للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وينهي حسان لوحته الغزلية بالتعبير عن فتنته وإعجابه بالمرأة الحضرية من خلال موازنة طريفة يعقدها بين ولائد الغساسنة المترفات، والأعرابيات من نساء البادية، اللاتي يجتنين صمغ المغافير أو الثُّمام، ليستعملنه في تلبيد شعورهن، أو ينتقفن الحنظل عند نضجه لاستخراج ما فيه، واستخدامه في إصلاح أحوالهن. يقول:

قد دنا الفِصْحُ فَالَولائدُ يَ

(م)

نْظِمْنَ قُعودَاً أَكِلَّةَ المَرْجَانِ

يَجْتِنينَ الجَادِيَّ في نَقَبِ

الرَّيْطِ عَلَيْها مَجَاسِدُ الكتَّانِ

لمْ يُعَلَّلْنَ بِالمغَافِرِ والصَّمْغِ

(م)

وَلاَ نَقْفِ حَنْظَلِ الشَّرْيَانِ

... ولوحة الطلل من مقدمة حسان السابقة تفتقر إلى كثير من العناصر التقليدية للمقدمة الطللية، كاستيقاف الصحب، ومخاطبة الرفيقين، والبكاء على الطلل، وذكر ما بقي من آثار الديار من أثاف، ونؤي، وأوتاد، وغير ذلك، ووصف ما درسها من عوامل الطبيعة، وما حل بها من قطعان الظباء، وبقر الوحش. كما تخلو من الصور التي اعتاد الشعراء الجاهليون رسمها لبعض عناصر المقدمة، مثل تشبيه بقايا الديار بخطوط الثوب المطرز، وتشبيه ما ذرته الرياح من رمال بالطحين المتناثر، وتشبيه الأثافي بالحمائم الجثم.

... ويبدو أنّ ما أبقى عليه الشاعر من تلك العناصر قليل قلة واضحة قياساً إلى ما تخلى عنه، إذ لم يبق إلا على ذكر أسماء المواضع، وتحديدها تحديداً جغرافياً دقيقاً، والعطف بينها بالفاء، والاستفسار عن أهلها الظاعنين، واسترجاع شيء من ذكرياته بها. وحتى هذه العناصر طرأ عليها بعض التطوّر، فالمواضع التي ذكرها مواضع شامية، لم تعرفها المقدمات التقليدية قبل حسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>