للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو في لوحة الظعن لم يأت إلا على ذكر الطريق الذي سلكته الظعائن، حيث وصفه وصفاً دقيقاً يدل على شدّة وجده، وتعلقه بصاحبته (شعثاء) ، وذكر عدداً من المواضع الشامية، وهي: البلقاء، وجلق، والمحبس، وبصرى، وجبل الثلج. في حين أغفل كثيراً من العناصر التي يجدها الدارس في مقدمات الظعن الجاهلية، مثل: وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الإبل وهوادجها، وما يعلوها من ثياب وألوان، والحادي والدليل، والغاية، ومنتهى الرحلة. وحتى حين وصف الطريق الذي سلكته الظعائن اكتفى بتحديده، ولم يعرض لما يحف به من مخاطر، وما يتناثر على جانبيه من رمال، وعيون مهجورة، أو صالحة (٩٤) .

... ويقابل ذلك استيفاؤه لمعظم عناصر اللوحة الغزلية، فقد وصف صاحبته (شعثاء) وصفاً حسياً، وتغنى بجمال عينيها الحوراوين؛ وأعرب عن فتنته بوجها الناصع، النقي، ورسم لها ولصواحبها صورة بالغة الدلالة على ذلك النقاء هي صورة البَرَد. وتحدث عن وفائه وإخلاصه لها، وشدّة وجده وهيامه بها، وأقسم على ذلك أغلظ الأيمان إلا إنه لم يبالغ في وصف مظاهر جمالها، ولم يتحسر على أيامه الماضية.

... ويبدو حسان في هذه المقدمة مُقْتَصِداً في استخدام الصورة الشعرية، ميالاً إلى السرد، إذ لم يأت إلا بصورة البَرد، ليعبر من خلالها عن نقاء لون صاحبته، وصورة القِدد وهي القطع ليخلعها على السحب المتناثرة التي تعانق قمة جبل الشيخ.

... ولكنه لوّن في صور الأداء، فاستعان بالأساليب الإنشائية كالنداء، والاستفهام، والأمر ليجذب اهتمام السامع؛ وراوح بين الإنشاء والخبر، كما أفاد من أسلوبي القسم والتوكيد في تقوية شحنة العاطفة فيها. وبدا ميالاً إلى التفصيل في صورة الإبل التي تساق للنحر، وفي وصف الطريق الذي سلكته الظعائن.

... ولعل من الجديد في هذه المقدمة ذكره للأماكن والمواضع الشامية، وبخاصة جبل الثلج أو جبل الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>