للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَالَيْنَ أَنْماطَ الدِّرَقْلِ المُرَقّمَا

عَسَجْنَ بِأَعْنَاقِ الظِّباءِ وأَبْرَزَتْ

حَواشِي بُرُودِ القِطْرِ وَشْياً مُنَمْنَما

فَأَنَّى تُلاَقِيهَا إذَا حَلَّ أَهْلُهَا

بِوادٍ يَمَانٍ مِنْ غِفَارٍ وأسْلَمَا

تَلاقٍ بعيدٌ واختلاَفٌ مِنَ النَّوَى

تَلاَقيكُما حتى تُوافيَ مَوْسِمَا

سَأُهْدِي لَهَا في كُلِّ عَامٍ قَصِيدةً

وَأَقْعُدُ مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا

... واللوحة الغزلية، وإن كانت أبياتها قليلة، إلا أنها لا تقل شأناً عن لوحتي الطلل والظعن. فالمرأة هي باعث التجربة في نفس الشاعر، وشعثاء التي فتنته بعينيها الحوراوين، قد تيمت فؤاده. وبانقضاء فصل الربيع، انطوت صفحة اللقاء، وحل الهجر محل الوصل، وأزف زمن الرحيل، وحالت المسافات بين الشاعر وبين فاتنته شعثاء، وبعدت بينهما الشقة، بعد أن حلّت بوادٍ يمان. ولن يتمكن من ملاقاتها إلا في الموسم القادم. وخلال زمن الفراق الطويل، سيعكف على نظم الشعر، وإهدائه لها، ولن يغامر أو يخاطر بالرحيل إلى منازلها. إنه سينظم الشعر فيها، وهو في مأمن من الأخطار والمتاعب، مكفيّ الحاجات بيثرب، ويؤثر العافية.

وواضح أنّ حساناً قد ألمّ في هذه اللوحة ببعض عناصر المقدمة الغزلية التقليدية وأعرض عن بعض، وانحرف ببعض.

فوصف جمال صاحبته، ولكنه اكتفى من ذلك بذكر عينيها الحوراوين، ولم يتتبع محاسنها ومظاهر جمالها الحسي أو النفسي.

وعبّر عن افتنانه بها، وحسرته على فراقها، والإحساس بثقل وطأة هجرها على نفسه؛ ولكنه بدا متعقلاً متزناً، يكبح جماح الهوى، ولا يغامر في سبيله، بل يستمع لنداء العقل، ويؤثر أن يترجم عن مكنون نفسه، ولواعج حبه بالشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>