للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وواضح أن هذا الموقف يحمل بعض ملامح التطور في المقدمة الغزلية، فقد انحرف الشاعر فيه عما نعهده في تلك المقدمة وفي شعر الغزل عامة من تهافت على المرأة، واندفاع ومغامرة، وتجاوز للحراس، والمعشر، وتعرض للقتل، في سبيل الوصول إليها، على نحو ما يصوره امرؤ القيس في معلقته، حيث يقول (٩٦) :

تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسَاً إِليْها وَمَعْشَراً

عَلَيَّ حِراصَاً لَوْ يُسرُّونَ مَقْتَلِي

انحرف عن ذلك إلى هذا الهدوء والاتزان الذي أشرنا إليه، والتسامي بعواطفه إلى التعبير الفني عنها وحسب، بدلاً من السعي إلى إشباعها في أرض الواقع:

سأُهْدي إِليْها كلَّ عامٍ قَصِيدةً

وأَقْعُدَ مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكَرَمَا

الصورة السادسة: المقدمة الطللية الغزلية الوصفية

... وهذه صورة أخرى من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية، حشد فيها الشاعر أربع لوحات، هي: اللوحة الطللية، واللوحة الغزلية، واللوحة الخمرية، ولوحة الناقة؛ فجاءَت حافلة بالألوان والأطياف. وتمثل هذه الصورة، مقدمة قصيدته الميمية المقيدة التي مطلعها (٩٧) :

مَاهَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ

وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمْبْنَى الخِيَامْ

وهو يستهلها باللوحة الطللية التي اقتصر فيها على ذكر بعض آثار الديار، من نؤي قد تثلمت حوافه، وبقايا علامات حائلة لمواضع خيام الحي، ومنازلهم؛ مكتفياً من تحديد موضع ذلك الطلل بذكر أنه واد من أودية تهامة، وبالإشارة إلى ما غير معالمه، وطمس آثاره، من طول العهد، وتقادم الزمن، إذ يقول بعد المطلع:

والنُّؤْيُ قَدْ هَدَّمَ أَعْضَادَهُ

تَقَادُمُ العَهْدِ بِوَادٍ تَهَامْ

<<  <  ج: ص:  >  >>