للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وقد عرض الدكتور حسين عطوان لمقدمة الظعن في العصر الجاهلي عند نفر من الشعراء المرموقين، مثل: المرقش، وعبيد بن الأبرص، وسلامة بن جندل، وبشر بن أبي خازم، وزهير، والممزق؛ وانتهى إلى تحديد أهم عناصرها، وأبرز مقوماتها وتقاليدها (١٢٣) . وإن لم يتعرض لأحد عناصرها المهمة، وهو غراب البين، والتشاؤم به، وتوقع الفراق، ورحيل الأحبة عند نعيبه؛ لأن العرب إنما سمّوه ((غراب البين)) ((لأنه إذا بان أهل الدار وقع في مواضع بيوتهم، يلتمس ويتقمقم، يتشاءَمون به ويتطيرون منه)) (١٢٤) كما يقول الجاحظ.

وعندما عاد الدكتور عطوان إلى الحديث عن المقدمة نفسها عند الشعراء الأمويين، وقف وقفة طويلة عند هذا العنصر ((غراب البين)) في مقدمات الظعن عند جرير الذي اتخذ الغراب رمزاً لكثير من مقومات تلك المقدمة وتقاليدها (١٢٥) . وشغل به ((لما يثيره في النفوس من الخواطر، وما يبعثه فيها من المعاني التي تتلاءَم مع مواقف التحمل ومشاهد الارتحال، فأخذ يذيعه في مقدماته، ويلح عليه مستعيضاً به عن كثير من أوصافها وتقاليدها)) (١٢٦) .

... وعندما وازن الدكتور عطوان بين الفرزدق وجرير والأخطل، فيما يتعلق بافتتاح قصائدهم بمقدمة الظعن، جعل أبرز ما يتميز به جرير في ذلك المجال ((استغلال المعاني الأسطورية التي تتصل بالغراب، والتي كانت شائعة بين العرب)) (١٢٧) .

... وحديث الدكتور عطوان في هذا الموضوع بمجمله يدل على أن مقدمات الظعن قبل العصر الأموي لم تتطرق إلى ذلك العنصر (غراب البين) ، وإن لم ينص على ذلك صراحة. والحقيقة أن دراسة مقدمات حسان الجاهلية تكشف عن أنه سبق جريراً إلى استغلال هذا العنصر الأسطوري، وتضمينه مقدماته الظعنية، كما تشهد لوحته السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>