للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمخاطبان هنا ليسا الرفيقين التقليديين اللذين يظهران عادة في مسرح الطلل وإنما شخصان عاديّان يطلب إليهما الشاعر أن يبلغا رسالة عنه، وواضح أنه انحرف بفكرة الرفيقين هنا عن خطها السابق.

سابعاً: لا يبدي حسان في لوحاته الغزلية تهافتاً على المرأة، فهو لا يخاطر بنفسه أو يتجشم الصعاب في سبيل الوصول إليها، كما نجد عند كثير من شعراء الجاهلية، وإنما يتسامى بمشاعره أحياناً فيجعل التعبير الفني عنها بديلاً عن محاولة إشباعها، ويمثل ذلك قوله في ختام مقدمة قصيدته الميمية (١٤٥) :

سَأُهْدِي لَهَا فِي كُلَّ عامٍ قَصِيدَةً

وَأَقْعُدُ مَكْفِيّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا

ثامناً: ومن الجديد في لوحات حسان الغزلية التي تتضمنها مقدماته الجاهلية أنه يصف الجواري والولائد اللاتي كان يشاهدهن في بلاط الغساسنة أو في ديارهم، في أثناء زياراته لهم؛ فيثرن إعجابه، كالذي نقرأه في لوحته الغزلية التي تضمنتها قصيدته النونية، من قوله (١٤٦) :

قَدْ دَنَا الفِصْحُ فَالوَلاَئُدُ يَنْظِمْنَ

(م)

قُعُودَاً أَكِلَّةَ المَرْجَانِ

ومما يحمل بعض ملامح الجدة في تلك اللوحة أن حسان لم يتغن فيها بجمال المرأة الجسدي أو النفسي، كما هو الحال في المقدمات الغزلية عند الجاهليين، وإنما عبر عن انبهاره بالمرأة الحضرية، وأدوات زينتها، وعطورها، ولباسها، وهو انبهار حدا به إلى تفضيل المرأة الحضرية على البدوية. يقول:

يَجْتَنِينَ الجَادِيَّ في نُقُبِ الرَّيْطِ

(م)

عَلَيْهَا مَجَاسِدُ الكَتَّانِ

لَمْ يُعَلَّلْنَ بِالمَغَافِرِ والصَّمْغِ

(م)

ولا نَقْفِ حَنْظَلِ الشَّرْيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>