تاسعاً: ولعل من الجديد الذي رصده البحث في لوحات حسان الغزلية مزج مشاعره وموصوفاته ببعض عناصر الطبيعة، أو اتخاذ الطبيعة خلفية لبعض المواقف، كما في لوحته الغزلية التي تضمنتها قصيدته الدالية، حيث يختار لصاحبته (شعثاء) عندما يستعيد ذكراها وقتاً تلبس فيه الطبيعة أزهى حللها، يقول (١٤٧) :
تَذَكُّرُ شَعْثَاءَ بَعْدَ الكَرَى
وَمُلْقَى عِرَاصٍ وَأَوْتَادَهَا
إِذَا لَجِبٌ منْ سَحَابِ الرَّبيعِ
مَرَّ بِسَاحَتِها جَادَهَا
... ويرسم لوجهها صورة لا أبهى ولا أجمل، صورة وجه الغزال الذي غذي بأطيب نبات، وأينعه، ورعى الأماكن التي لا تطؤها الأقدام، فيقول:
وَوَجْهَاً كَوَجْهِ الغَزَالِ الرَّبِيبِ
يَقْرُو تِلاعاً وأَسْنَادَهَا
فَأَوَّبَهُ اللَّيْلَ شَطْرَ العَضَاهِ
يَخَافُ جَهَامَاً وَصُرَّادَها
عاشراً: ومن أهم ملامح الجدّة في لوحات حسان الظعنية استغلاله لبعض العناصر الأسطورية في الحياة الجاهلية، مثل: الغراب، والسانح، والبارح، في رسم جو الحزن والتشاؤم الذي يصاحب استعداد أحبته للرحيل، كما يبدو في قصيدته البائية،حيث يقول (١٤٨) :
وَبَيَّنَ فِي صَوْتِ الغُرَابِ اغْتَرابُهُمْ
عَشِيَّةَ أَوْفَى غُصْنَ بَانٍ فَطَرَّبَا
وَفِي الطَّيْرِ بِالعَلْيَاءِ إِذْ عَرضَتْ لَنَا
وَمَا الطَّيْرُ إِلاَّ أَنْ تَمُرَّ وَتَنْعَبَا
... مما يجعله سابقاً لجرير وسواه من الأمويين والعباسيين الذين توسعوا في استغلال تلك العناصر.
حادي عشر: ومن تلك الملامح الجديدة أن عبارة (دع ذا) في شعر حسان قد لا تعني أنه فرغ من المقدمة، ودلف إلى غرض القصيدة، كما هو الشأن عند شعراء الجاهلية؛ بل تعني أنه فرغ من لوحة من لوحات مقدمته ليشرع في لوحة أخرى؛ كما يجد من يتأمل مقدمة قصيدته الميمية التي افتتحها بقوله (١٤٩) :
مَا هَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ
وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبْنَى الخِيَامْ