للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كان من شأنه ما تناقلته كتب الأدب من أخباره ومنها خبره الطويل مع حائك الكلام، وفيه أن ((عمرو بن مسعدة قال: كنت مع المأمون عند قدومه من بلاد الروم، حتى إذا نزل الرقة قال لي: يا عمرو، أما ترى الرخّجي (١) ، قد احتوى على الأهواز، وهي سلة الخبز، وجميع الأموال قبله وقد طمع فيها، وكتبي متصلة في حملها، وهو يتعلل، ويتربص بنا الدوائر.

فقلت: أنا أكفي أمير المؤمنين هذا، وأُنفِذ من يضطره إلى حمل ما عليه.

فقال: ما يقنعني هذا.

قلتُ: فيأمر أمير المؤمنين بأمره.

قال: تخرج إليه بنفسك، حتى تصفده بالحديد، وتحمله إليّ، بعد أن تقبض جميع ما في يده من أموالنا، وتنظرفي ذلك، وترتب فيه عمالاً... (٢)) ) .

صفاته وأخلاقه:

كان عمرو هذا أبيض الوجه، أحمره؛ ولذا كان المأمون يسميه الرومي لبياضه (٣) .

وإلى جانب ما تميّز به من البلاغة والفصاحة التي جعلته في مصافّ الكتاب الكبار في عصره كان على قَدْرٍ كبيرمن كريم الصفات والأخلاق الفاضلة التي أهّلته لأن يكون أحد أصفياء الخليفة (المأمون) المقربين إليه.

وكثير من هذه الشمائل والصفات لم تكن وقفاً على ابن مسعدة بل كانت شركة بين الكتاب الوزراء جميعاً، بل إنها من آكد ما اشتُرِط في وزير الخليفة وكاتبه، وقد أوضح ذلك المأمون فيما كتبه في اختيار وزير له، وفيه يقول ((إني التمستُ لأموري رجلاً جامعاً لخصال الخير، ذا عفة في خلائقه، واستقامة في طرائقه، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قُلِّد مهمات الأمور نهض فيها، يُسكته الحلم، ويُنطِقه العلم، وتكفيه اللحظة، وتغنيه اللمحة، له صولة الأمراء، وأناة الحكماء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، إن أُحسِن إليه شكر، وإن ابتُلِي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، ويسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه، وحسن بيانه (٤)) ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>