هذا وغيره قد دفع المأمون إلى الاقتناع به والثقة فيه، فدل الحسن بن سهل ليتعلم منه المروءة في خبر جاء فيه: أن الحسن دخل على المأمون ((فقال له: كيف علمك بالمروءة؟ قال: ما أعلم ما يريد أمير المؤمنين فأجيبه. قال: عليك بعمرو ابن مسعدة، قال: فوافيت عمراً (وفي داره صُنّاع، وهو جالس على آجرة ينظر إليهم) فقلت: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تعلمني المروءة. فدعا بآجرة فأجلسني عليها، وتحدثنا مليّاً. وقد امتلأتُ غيظاً من تقصيره بي، ثم قال: يا غلام عندك شيء يؤكل؟ قال: فقدّم طبقاًَ لطيفاً عليه رغيفان وثلاث سكرجات (١) ،في إحداهن خل، وفي الأخرى مُرّي (٢) ، وفي الأخرى ملح، فأكلنا، وجاء الفراش فوضأنا، ثم قال: إذا شئت، فنهضتُ محفظاً ولم أودّعه، فقال لي: إن رأيت أن تعود إليّ في يوم مثله. فلم أذكر للمأمون شيئاً مما جرى. فلما كان في اليوم الذي وعدني لقياه، سِرتُ إليه فاستُؤذِنَ لي عليه فتلقاني على باب الدار فعانقني، وقبّل بين عينيّ، وقدمني أمامه، ومشى خلفي حتى أقعدني في الدست (٣) ، وجلس بين يديّ، وقد فُرِشت الدار، وزُيّنت بأنواع الزينة، وأقبل يحدثني، ويتنادر معي إلى أن حضر وقت الطعام، فأمر فقُدّمت أطباق الفاكهة، فأصبنا منها، ونُصِبت الموائد، فقُدِم عليها أنواع الأطعمة من حارّها وقارّها، وحلوها، وحامضها، ثم قال: أيّ الشراب أعجب إليك؟ فاقترحت عليه. وحضر الوصائف للخدمة، فلما أردت الانصراف حمل معي جميع ما أحضر من ذهب، وفضة، وفرش، وكسوة، وقُدِّم إلى البساط فرس بمركب ثقيل فركبته، وأمر من بحضرته من الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يديّ، وقال: عليك بهم فهم لك، ثم قال: إذا زارك أخوك فلا تتكلف له، واقتصر على ما يحضرك، وإذا دعوته فاحتفِل، واحتشِد، ولا تدعنّ ممكناً، كفعلنا بك عند زيارتك إيانا، وفعلنا يوم دعوناك (٤)) ) .