ففي الخبر السابق دلالة واضحة على مروءة ابن مسعدة، وتعمّقها في سلوكه، وأخلاقه، كما أن فيه دلالة على عمق فهمه لأصولها وقواعدها؛ مما دفع المأمون إلى أن يرشّحه أستاذاً معلماً إياها للحسن بن سهل على فضله، وجلالة قدره.
وعلى الرغم من الثقة الكاملة التي منحه إياها المأمون، فقد ظل معتداّ بنفسه، شديد الحِفاظ على عِرضه وسُمعته، حريصاً على كرامته من أن تُنال بسوء، أو أن يُهان من أيّ كائن كان، فيُذكر أن المأمون أرسل إليه من يستقرّه، ويحاسبه على أموال كثيرة اقتطعها من أموال الدولة، فلما اعترف بها، وحُصِّلت عليه وهبه المأمون إياها، فقال ابن مسعدة:((أما إذ تفضّل أمير المؤمنين عليّ به، فإنه واجب على أحمد بن عروة، وأشهِدُكَ أنّي قد وهبتُه له (١)) ) .
وكان من أهل الشهرة في عصره الذين سُمِّيت بعض شوارع بغداد بأسمائهم تخليداً لذكراهم، فقد سُمي أحد شوارعها باسم شارع عمرو بن مسعدة (٢) .
وكان ذا يسار وغنىً، شأنه في ذلك شأن كثير من الوزراء والكتاب المحظيين لدى الخلفاء والأمراء والولاة، فقد ذُكِر له ((منزلان بمدينة السلام، أحدهما بحضرة طاق الحرّاني (والحراني هو إبراهيم بن ذكوان) ومنزل آخر فوق الجسر، وهو المعروف بساباط عمرو بن مسعدة (٣)) ) .
كما عُرِف عنه أنه لما مات ((رُفِع إلى المأمون أنه خلف ثمانين ألف ألف درهم فوقّع على الرقعة: هذا قليل لِمَن اتّصل بنا وطالت خدمته لنا، فبارك الله لولده فيه (٤)) ) .
وقد دفعه ذلك وغيره إلى أن يكون كريماً سخياً على أصحابه، وأصدقائه، ومحبيه، وقاصديه، فقد كان بينه وبين ((إبراهيم بن العباس الصولي مودة، فحصل لإبراهيم ضائقة بسبب البطالة في بعض الأوقات، فبعث له عمرو مالاً، فكتب إليه إبراهيم: