رأى خَلتي من حيث يخفى مكانُها
وكان حريصاً على حفظ ماء وجه سائله، رافعاً عنه الحرج، وذُلّ السؤال ((قال حميد بن بلال: وَلِيَ عمرو بن مسعدة فارس وكرمان، فقال بعض أصحابه: أيها الأمير، لو كان الحياء يظهر سؤالاً لدعاك حيائي من كرمك في جميع أهليك إلى الإقبال عليّ بما يكثر به حسد عدوي، دون أن أسألك، فقال عمرو: لا تبغِ ذلك بابتذالك ماء وجهك، ونحن نغنيك عن إراقته في خوض السؤال، فارفع ما تريده في رقعة يصل إليك سراً. ففعل (١)) ) .
وهكذا يعلو ابن مسعدة ببره، وإحسانه، ويرتفع بسائل نواله وعطائه عن الذل الذي كثيراً ما لازم المسألة، وطلب الرفد من الآخرين، فيرشد سائله إلى أسلوب المسألة الذي يحقّق الغرض، دون أن يُخدَش قدر السائل، أو أن تداس كرامته.
وكان حريصاً على حسن العلاقة مع الآخرين، واصلاً لهم ((قال الحسن بن وهب: بلغ العتّابي (٢) أن عمراً بن مسعدة ذكَرَه عند المأمون بسوء فقال:
قدْ كُنْتُ أَرجو أن تكون نصيري
وعلى الذي يبْغي عليَّ ظهيري
وَطَفِقْتُ آملُ ما يُرجّى سَيْبُهُ
حتّى رأيتُ تَعلُّقي بغُرورِ
فَحَفرتُ قبركَ ثُمّ قُلتُ دفنتُهُ
ونَفضتُ كفّي مِن ثَرى المقبورِ
وَرَجعتُ مُفترياً على الأملِ الذي
قد كان يَشْهَدُ لي عليكَ بِزُورِ (٣)) )
كذلك عُرِف عمرو بن مسعدة بالبشاشة، وانبساط أسارير الوجه، حتى صار مضرِب المثل في ذلك، فقد ((حكى الجاحظ: أن بعض الكتاب سأل
عبد الله بن طاهر حاجة، فوعده قضاءها، وطالت أيام مطاله الإنجاز، فكتب إليه: أما بعد، فقد كان وعدك تلقاني مكتسياً بشاشة عمرو بن مسعدة، وأرى إنجازه تأخَّر تأخُّر من خُلِع عليه عُبوس أحمد بن أبي خالد... (٤)) ) .
لهذه الصفات والخِلال الحميدة التي اتّصف بها ابن مسعدة كان محل إعجاب الخليفة كما كان محل إعجاب الأصدقاء، وغيرهم، لذا وجدنا مَنْ يشارِكه الهمّ، فيُحسّ بشِكاته حين ألمّت به، فيتمنّى بصدق، وإخلاصً لو أن العلة كانت فيه بدلا عنه: