فالتيميّ في قصيدته تلك يُبرِز ممدوحه (ابن مسعدة) في صورة الرجل العظيم بأخلاقه، وشمائله الفاضلة، فيذكر أنه كريم، يصدق الوعد، ويحقّق الأمل، لذا قصَدَه القاصدون، وانتجعه السائلون، وَوَرد حِياضه الطامعون في الرّفد والعطاء، وعمّ فضله الضيف والجار والصاحب، فكان لكل واحد من هؤلاء نصيبه من رعايته وفضله.
إلى جانب ذلك فهو شجاع، طالما ارتوت القنا بدماء أعدائه؛ حيث أعملها فيهم دون رحمة ولا مواربة، كما أنه صاحب رحمة وعطف على الخائفين الهاربين.
ولم أقف فيما اطّلعت عليه من أخباره عدا ما سيرد في عقيدته، على ما يسيء إلى سُمعته، أو يشنّع بخُلُق من أخلاقه إلا ما جاء عنه في رسالة ((ذم أخلاق الكتاب)) للجاحظ، حيث قال:((وسُئل ثُمامة بن أشرس (١) يوماً (وقد خرج من عند عمرو بن مسعدة) فقيل له: يا أبا معن، ما رأيت من معرفة هذا الرجل، وبلوت من فهمه؟ فقال: ما رأيت قوماً نفرت طبائعهم عن قبول العلوم، وصغُرت هِممهم عن احتمال لطائف التمييز، فصار العلم سبب جهلهم، والبيان عَلَم ضلالتهم، والفحص والنظر قائد غيّهم، والحكمة مَعدِن شُبَههم أكثر من الكتاب (٢)) ) .
وهذا الحكم وإن تناول في ظاهره الكتّاب جميعهم فإن لابن مسعدة النصيب الأوفى منه؛ إذ إنه جاء مُحصّلة جلوس ثمامة عنده، ونتيجة استماعه إليه.
ولا يخفى ما في هذا القول من التحامل على الكُتّاب بعامّة، والمبالغة في ذمّهم بغير حُجّة مقنعة.