إلى جانب هذه الصفات الحسنة فإننا نجد أن ابن مسعدة كان يعتقد عقيدة أهل الاعتزال، ويذهب مذهبهم في القول عن القرآن: إنه مخلوق، وهو القول الباطل الذي امتُحِن به كثير من العلماء في عصره، وكانت فتنة عظيمة لكثير من الناس، ففي رسالة الحيدة ورد ذكر عمرو، وفيها يقول لعبد العزيز بن يحيى المكّيّ (١) الذي ناظر بشر بن غياث المريسي (٢) بحضرة المأمون في مسألة خلق القرآن التي قال بها بعض المعتزلة الضُّلال: ((يا أيّها الرجل قد حمَلتَ نفسك على أمر عظيم، وبلغت الغاية في مكروهها، وتعرّضتَ لما لا قوام لك به من مخالفة أمير المؤمنين، وادّعيتَ ما لا يثبت لك به حُجّة على مخالفيك، وليس إلا السيف بعد ظهور الحُجة عليك. فانظر لنفسك، وبادر أمرك قبل أن تقع المناظرة، وتظهر عليك الحُجّة، فلا تنفعك الندامة، ولا تُقَال لك عثرة؛ فقد رحمتك، وأشفقت عليك مما هو بك نازل، وأنا أستقيل لك أمير المؤمنين، وأسأله الصفح عن جرمك، وعظيم ما كان منك، إن أظهرت الرجوع عنه والندم على ما كان منك، وآخذ لك الأمان منه أيده الله والجائزة، وإن كان بك مظلمة أزلتها عنك، وإن كان لك حاجة قضيتها لك، فإنما جلست رحمة لك مما هو نازل بك بعد ساعة إن أقمت على ما أنت عليه، ورجوت أن يخلصك الله على يدي من عظيم ما أوقعت نفسك فيه (٣)) ) .
ويطول الحوار بين عبد العزيز هذا وبين عمرو بن مسعدة في محاولة من الأخير أن يثنيه عن عقيدته الصحيحة، ويتبع أهل الغواية والضلالة.
ففي كلام ابن مسعدة المتقدّم وغيره ممالم أورده (٤) لعدم الحاجة إليه إشارة صريحة إلى ما كان يعتقده في هذه المسألة، وهو اعتقاد أهل الاعتزال، الذي استطاعوا أن يلقوه في روع الخليفة المأمون، وأن يستعدوه به على أهل السنة الذين خالفوهم في هذا الرأي.