للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاءت حِكمه في موضوعات مهمة يأتي في مقدمتها موضوع الصداقة والصديق، والعداوة والعدو، وما يتصل بكل منهما من المعاني، والأفكار.

أما موضوع الصداقة والصديق فقد أولاه ابن مسعدة جُلّ اهتمامه؛ إيماناً منه بالأثر الكبير للقرين والمصاحب على المرء في أخلاقه، وسلوكه وفي مختلف شؤون حياته.

وهنا نراه يحثّ على اتخاذ الأصدقاء الذين يكونون في منزلة الإخوان ((عليكم بالإخوان فإنهم زينة في الرخاء وعدة للبلاء (١)) ) .

ويرى أن مايحدث للنفس بالصديق من طمأنينة، وسكينة، وأنس، وسعادة، أكثر مما يحدث لها مع معشوقها. وعبارات الود، والمحبة، والإخاء، أرقّ، وأبلغ من حديث الغزل، والصبابة، والهوى، على الرغم من رقّته البالغة، يقول ابن مسعدة في ذلك: ((النفس بالصديق آنس منها بالعشيق، وغزل المودة أرقّ من غزل الصبابة (٢)) ) ذلك؛ لأن الإخاء القائم على التعقل، وكرم النفس أقوى من الحب المبني على الشهوة واللذة العارضة.

ويرى أن لا بد للمرأ قبل الثقة فيمن ينوي مصاحبته، والأنس بمجالسته من امتحانه، وابتلائه، فيقول: ((من لم يقدّم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس، أثمرت مودته ندماً (٣)) ) .

ولعلم الكاتب بما يعترض الصحبة والصداقة من فتور نتيجة الملل والسآمة أحياناً، وحصول بعض ما لا يرضاه أحد الصاحبين بوجه من الوجوه، وضع الكاتب جملة من التعاليم والوصايا التي تساعد على استمرار المودة والصفا بين المتآخيين، فدعا دعوة الحكيم المجرّب إلى قلة الزيارة، فقال: ((قلة الزيارة أمان من الملالة (٤)) ) مؤيّداً بذلك قولهم: زُرْ غبًا تزدد حباً. كما دعا إلى العتاب كدواء ناجع لما يحدث في رباط المودة والإخاء من وهن وعلل قد تودي به إلى الانقطاع، فقال: ((العتاب حياة المودة (٥)) ) وقال: ((ظاهر العتاب خير من باطن الحقد (٦)) ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>