وفي المقابل يحذّر الكاتب من مصاحبة الأشرار، ويرى حبهم ومودتهم من أسرع الأشياء انقطاعاً ((أسرع الأشياء انقطاعاً مودة الأشرار (١)) ) وذلك؛ لأنها مبنية على شفير هارٍ، لا تثبت أمام المصاعب والشدائد؛ لأن المودّة القائمة على المصالح والمنافع العاجلة لا تدوم أبداً، ولهذا يرى أن ((إخوان السوء كشجر في النار يحرق بعضه بعضاً (٢)) ) .
وهكذا نجد الكاتب يلحّ على موضوع الصداقة، والصحبة، وما يبتعد بهما عن أن ينقلبا عداوة وهجراناً، متأثراً في ذلك كغيره من الكتاب بثقافة الفرس التي أولتْ هذا الموضوع حقه من العناية والاهتمام؛ فحظي من الفلاسفة والحكماء الفرس بالنقد والدراسة، فأفسحوا له مكانًا فيما كتبوه في الفلسفة والأخلاق.
وإلى جانب هذا الموضوع نجد ابن مسعدة في حِكَمِه الموجزة، يهتم بموضوع العداوة والعدو كجزء رئيس من اهتمامه بالموضوع الأول.
وهنا يبين مابين الموضوعين من اختلاف فالعداوة تقضي على آصرة القربى، في حين تقرّب المودة بين الناس، وإن تباعدت أنسابهم ((القريب بعيد بعداوته، والبعيد قريب بمودته (٣)) ) .
ويظهرالصديق في نُصحِه مؤدباً، في حين يبقى نصح العدو تأنيباً محضاً ((نصح الصديق تأديب، ونُصح العدو تأنيب (٤)) ) .
وقد حثّ الكاتب في أكثر من موضع على الحذر من العدو، وأَخْذ الحيطة من مكره، وأذاه، فقال:((لا تأمنن عدوك وإن كان مقهوراً، واحذره وإن كان مفقوداً؛ فإن حد السيف فيه وإن كان مغموداً (٥)) ) وقال: ((لا تتعرض لعدوك في دولته؛ فإنها إذا زالت كفتك مؤونته (٦)) ) .
وقد جاءت حِكَمُه أحياناً في شكل وصية يوجهها إلى شخص معيّن، أو إلى عامة الناس، تتضمّن رأيه الصريح في موضوع من الموضوعات المهمة، من مثل ما نجد في قوليه السابقين، وفي قوله أيضاً:((لا يفسدنك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له (٧)) ) .