وقد كان هذا الفن محل عناية واهتمام ابن مسعدة، وكان له في بعض نماذجه رأي ونقد، فقد قال الجاحظ ((وخبّرني جعفر بن سعيد (رضيع أيوب بن جعفر) قال: ذُكِرَتْ لعمرو بن مسعدة توقيعات جعفر بن يحيى، فقال: قد قرأتُ لأم جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها، فوجدتها أجود اختصاراً، وأجمع للمعاني (١)) ) .
فكان للتوقيع نصيب مما سطّره يراعه، بل لقد سيطر بخصائصه الفنية على جلّ ما بين أيدينا من نثره، فجاء كثير من نصوصه على شكل توقيعات بليغة موجزة، وإن لم تجرِ مجراها، منها على سبيل المثال قوله:(وكان يوقِّع بين يدي جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليه، وقال: أجب عنها، فكتب ((قليل دائم خير من كثير منقطع (٢)) ) ، وقد كان هذا التوقيع موضع إعجاب شديد من جعفر؛ مما دفعه إلى أن يضرب بيده على ظهر عمرو ويقول له:((أي وزير في جلدك؟ (٣)) ) .
وقد يأتي توقيعه بيتاً من الشعر، فقد وقّع في ظهر رقعة لرجل:
أَعْزِز عَلَيَّ بأمرٍ أنتَ طَالِبُهُ
لم يمكنِ النّجْحُ فيهِ وانقضى أَمَدُه (٤)
ومثل ذلك كثير في توقيعات أهل العصر وغيرهم.
ثانياً: الخصائص الفنيّة:
اللّغة:
إن القيمة الفنية لنثر ابن مسعدة تكمن في لغته، وفيما عبّر عنه من أفكار، ومضامين ذات علاقة وثيقة بالحياة. وهو ما يعني التوازن بين الشكل والمضمون الذي يُعدّ شرطاً أساساً لكل أدب يُراد له البقاء، والخلود. وهذا ما أشار إليه الجاحظ في قوله:((...لا يكون الكلام يستحقّ اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك (٥)) ) .