فقد اتّسمت هذه اللغة من حيث ألفاظها، وأساليبها بقيم فنيّة رفيعة، جعلت ما سطّره يراع ذلك الكاتب في قائمة الأدب البليغ الرصين، الذي دعا إلى النظر فيه بعض دارسي الأدب، ونقاده ((لِمَا في ذلك من تنقيح القريحة، وإرشاد الخاطر، وتسهيل الطرق، والنسج على منوال المُجيد، والاقتداء بطريقة المحسن، واستدراك ما فات، والاحتراز مما أظهره النقد، وردّ ما بهرجه السبك (١)) ) .
وأول ما يلفت النظر في لغة ابن مسعدة تلك الكلمات المفردة التي تألف منها نثره المسماة الألفاظ.
فقد تميّزت ألفاظه بالدّقة والوضوح، والبعد عن الغموض، مما أعطى معانيه قدراً كبيراً من الوضوح والبساطة، وعدم الإبهام، فما من شك في أن من صفات الأسلوب الجيّد الوضوح بصرف النظر عن جنس الأدب، ونوعه، عكس ما يرى الرمزيون من أن الجمال في الإبهام أكثر منه في الوضوح، وهو ما عبّر عنه بودلير بقوله:((...والشعر الزائف هو الذي يتضمن إفراطاً في التعبير عن المعنى، بدلاً من عرضه بصورة مبرقعة، وبهذا يتحوّل الشعر إلى نثر (٢)) ) .
ويمكننا أن نقف على هذا في كثير مما كتب نحو قوله:((من حقوق المودة عفو الإخوان، والإغضاء عن تقصير إن كان (٣)) ) وقوله وقد ذكر رجل رجلا: ((حسبك أنه خلق كما تشتهي إخوانه (٤)) ) . فلا نجد وضوحاً أكثر من ذلك التعبير.
كما اتّسمت ألفاظه بالفصاحة والجزالة، مع البعد عن الغرابة، متفقة مع ما أوضحه ابن الأثير بقوله ((ولستُ أعني بالجزل من الألفاظ أن يكون وحشياً متوعّراً عليه عنجهيّة البداوة، بل أعني بالجزل أن يكون متيناً على عذوبته في الفم ولذاذته في السمع. وكذلك لست أعني بالرقيق أن يكون سفسفاً، وإنما هو اللطيف الرقيق الحاشية، الناعم الملمس (٥)) ) .