للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسهولة مع عدم الابتذال في أدب المبدعين ومنهم ابن مسعدة عنصر مهم، وقيمة من القيم الفنية، فهي الركن الرابع من أركان الكتابة، على ما ذكره ابن الأثير بقوله: ((أن تكون ألفاظ الكتاب غير مخلولقة بكثرة الاستعمال، ولا أريد بذلك أن تكون ألفاظاً غريبة؛ فإن ذلك عيب فاحش. بل أريد أن تكون الألفاظ المستعملة مسبوكة سبكاً غريباً يظن السامع أنها غير ما في أيدي الناس، وهي مما في أيدي الناس (١)) ) .

وغاية ما في الأمر أن ابن مسعدة لم يلتزم نهجاً واحداً في اختيار ألفاظه، وإنما راعى مقتضى الحال، فجاءت ألفاظه على أقدار معانيه، وكانت مناسبة لموضوعات نثره، فهي ترِقُّ حيناً، وتجزل حيناً آخر، وهي في الأحوال كلها بعيدة عن الابتذال، والإغراب، والتعقيد.

وأخيراً فهي ألفاظ موحية مشعّة، تحوي في كثير منها عنصر التصوير، من مثل قوله: ((العبوديّة عبودية الإخاء لا عبودية الرق (٢)) ) . وهو إنما يعني ما يجب أن تكون عليه الصداقة والأخوّة من التزام بالوفاء بحق الأخوّة التزاماً يقيّد تصرّف المرء، تقييداً يشبه تقييد حرية تصرّف العبد مع سيّده، وفي ذلك قوة ومتانة، يصبح المرء معها قوي الارتباط بمن آخاه، فهو كالأسير له، لا ينفك عنه، ولا يترفّع عليه.

ومن أمثلة الألفاظ الموحية أيضاً قوله في رسالة ديوانية معبراً عن بعض صفات أتباع الخصم: ((ومن لَفَظَهُ بلدُه، ونَفَتْهُ عشيرتُه (٣)) ) . ففي قوله: ((لفَظَه)) وقوله: ((نَفَتْهُ)) دلالة كبيرة على مدى الانحطاط والإسفاف الذي اتصف به أتباع ذلك الخارجي، فيكفي أنهم أفراد مطرودون من بلدانهم، منفيّون من عشائرهم، وفي ذلك أكبر ذم لهم، وتشنيع على من آزرهم وأيّدهم، أواستعان بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>