وفي إطار اهتمام ابن مسعدة بموضوع الصداقة، ونقيضها العداوة، نجده يُعنى بموضوع الحقد، في محاولة جادة للتحذير منه، فهو مرض خطير فتّاك، ينبت من العداوة، ويقضي على كل أواصر المودة، والمحبة، ومن هنا فإن اختفاءه بين حنايا الضلوع، أشبه ما يكون بالنار الكامنة في الزناد، تنتظر أدنى قدح له لتنطلق مشتعلة ملتهبة محرقة ((كُمون الحقد في الفؤاد كَكُمون النار في الزناد (١)) ) .
هنا يتوسّل الكاتب أسلوب التصوير الفني في بيان فظاعة هذا الخُلُق، وخطورته البالغة على العلاقات الإنسانية.
وجاء البديع بأنواعه المختلفة عفوياً بعيداً عن التكلف وكان من مقومات لغة ابن مسعدة الفنية كما مر بنا في الحديث عن بلاغته وهو أمر طبعي وجدناه في كتابات ابن مسعدة، كما وجدناه في كتابات غيره من كتاب العصر، وسابقيهم ولاحقيهم، ولكن مما يُحمد لابن مسعدة هنا أن تعامله مع البديع جاء نتيجة تفاعل عفويّ مع ما يملكه من مخزون لغوي ومعرفي، أبعده عن التكلف المشين، والتصنّع المقيت، الذي يذهب برونق الكتابة، ويخلع عليها جلباب الغموض، مما جعلنا نحس على هذا النثر مسحة من الوضوح، والجمال.
ومن خير ما يمثّل لنا هذه السمة في تراث ابن مسعدة النثريّ ما جاء في رسالته إلى الحسن بن سهل، وفيها يقول:((أما بعد: فإنك ممن إذا غَرَسَ سَقى، وإِذا أَسّس بنى؛ ليستتم تشييد اُسُّه، ويجتني ثمار غرسه. وثناؤك عندي قد شارف الدروس (٢) ، وغرسك مشف (٣) على اليبوس، فتدارك بناءَ ما أسّستَ، وسَقْيَ ما غَرَستَ، إن شاء الله (٤)) ) .فأنت تجد هنا السجع العفويّ الجميل، الذي ازدادت به هذه الرسالة جمالاً ووضوحاً. ومما يدل على عفوية هذا السجع أن الكاتب لم يقصد إلى اتفاق أكثر من فاصلتين، وأن هذا الاتفاق قد زاد المعنى وضوحًا وجلاءً، أضف إلى ذلك أنك تقرؤه فلا يمجه السمع ولا ينفر منه الذوق.