للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن البديع في كتابته أيضاً قوله في كتابٍ له (وقد أهدى فرساً) : ((بعثتُ إليكَ بِطِرْف (١) يتصرّف بالشابِ مع هواه، ويجري تحت الشيخِ على رِضاه، لم يبعثهُ (٢) سوطٌ، ولم يُتعبهُ شَوطٌ (٣)) ) .

فأنت ترى في هذا النص الطباق بين كل من: الشاب، والشيخ. كما ترى الجناس في كل من: يبعثه ويتعبه، وبين: سوط وشوط. كل ذلك في انسجام، وعدم تكلّف.

وقد كونت هذه الألفاظ في مجموعها أسلوباً واضحاً، رصيناً، جميلاً، يمكن أن أطلق عليه ما يسمى ب ((الأسلوب السهل الممتنع)) وهو ما عبّر عنه التوحيدي بقوله: ((وفي الجملة أحسن الكلام ما رقّ لفظه، ولَطُف معناه، وتلألأ رونقه، وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم، يُطمع مشهوده بالسمع، ويمتنع مقصوده على الطبع، حتى إذا رامه مُريغ (٤) حلّق، وإذا حلّق أسفّ، أعني: يبعد على المحاول بعنف، ويقرب من المتناول بلطف (٥)) ) .

وينطبق هذا الوصف على أسلوب ابن مسعدة، فأنت تجد ألفاظاً واضحة المعنى، قريبة التناول، لا تستعصي في ظاهرها على أحد، وتركيبه، ونسجه ((أيسر تركيب يجري مع الطبع، كأنه في إيراده يتكلم كلامه المعتاد معرباً، ويسطره في الورق (٦)) ) .

بالإضافة إلى ما تقدّّم فقد تميّزت لغة هذا النثر ببعض الظواهر الفنية البارزة، التي رأيت من الواجب الوقوف عندها بالدرس والتحليل، ومن أبرزها:

الإيجاز:

الإيجاز من أبرز سمات النثر الفني، التي حظيت باهتمام البلغاء المشهورين، والكتاب النابهين، كما حظيت باهتمام النقاد والدارسين في القديم والحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>