للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ء فأدنى ديارَها الخلصاءُ (١)

بعد عهدٍ ببُرقةَ شمّا

ويفصّل عنترة تفصيلاً دقيقاً في العدّة والعدد، والّلون والزمن مشهد الرّحيل ليؤكّد تصاعد أزمته، أو كأنّه يريد أن يقول: تعالوا، وانظروا، وقدّروا: كم هي مصيبتي كبيرة، ولا تحتمل ٠ وسببها هو هذا الرحيل:

إن كنتِ أزمعتِ الفراق فإنّما

زُمّتْ ركابُكمُ بليلٍ مظلمِ

ما راعني إ لا حمولةُ أهلها

وسْط الدّيارِ تسفُّ حبَّ الخمخمِ

فيها اثنتانِ وأ ربعونَ حلوبة

سوداً كخافية الغرابِ الأسحمِ (٢)

ويعلن النابغة عن إعدامه للمستقبل؛ لأنَّ الأحبةَ فيه سيرحلون ٠ يقول:

أفِدَ التَّرَحُلُ غير أنّ ركابنا

لمّا تزَلْ برحالنا، وكأنْ قد

زعمَ البوارحُ أنّ رحلتنا غداً

وبذاكَ خبّرنا الغدافُ الأسود

لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به

إنْ كان تفريقُ الأحبّةِ في غدِ (٣)

تُجمِع هذه النصوص على تشكيل " التراجيدي " من خلال تأكيدها على الأشياء التالية:

١-: ربطت الرّحيل بزمن معيّن هو " الغداة، وغدوة، وأبكروا "٠

ولعلّ إجماعها على ربط الرّحيل بهذا الزمن المبكّر من الصباح يؤكّد رغبة الشعراء الشديدة في استثارة الشعور بالحزن أكثر من اعتنائهم بتصوير المشهد نفسه ٠

٢-: ركّزت النصوص على رسم تفاصيل التهيّؤ للرّحيل بدقّة متناهية، مثل كأنّ حدوج المالكية خلايا سفين، والديار قد عريت حين تحملوا، فتكنّسوا قطناً،وزُمّت ركابكم بليل معظم، والإبل وسط الديار تسفُّ - من جوعها - حَبَّ الخمخم، وفيها اثنتان وأربعون حلوبة سوداً ...

<<  <  ج: ص:  >  >>