للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦-: وردت مفردات في النصوص السّابقة ساهمت في تجسيد المناخ التراجيدي، وإنمائه، مثل: الغداة، البين، تحمّلوا، رحلوا، ناقف حنظل، الأسى، التجمّل، الّبر، الوداع، الرّكب، الظّعن، الحي، الخيام، الرّكاب، الّليل المظلم، الخوف، الدّيار، سود، الغراب الأسحم ٠ وهذه المفردات تدخل ضمن المعجم الّلغوي الذي اعتمده موقفُ الطّلل الذي توقّفنا عنده

آنفاً ٠ ولا بدّمن القول في ختام هذا المحور: إنّ جميع النقاط المذكورة التي اتفقت النصوص على إيرادها ساهمت في رسم لوحة تشكيلية لصورة التراجيدي في موقف الرحيل في الشعر الجاهلي ٠

ثالثاً -: الاغتراب: وهو عبارة عن حالة رومانسية تشكّلت لدى الشاعر الجاهلي بسبب عدم قدرته على التفاعل والانسجام مع المحيط الذي ينتمي إليه جزئياً أو كليّاً ٠ ويهيمن عليه دائماً شعورٌ شفّاف بالحزن الذي يختلط بالألم والملل والضجر، وما إلى ذلك ٠

وأبرزُ وجه من وجوه الاغتراب في الشعر الجاهلي هو الشعور الكبير بالفراغ ٠ وغالباً ما يكون هذا الشعور هادئاً غير صاخب؛ بمعنى أنّه شعور ليس صداميّاً كما هو الحال في ظاهرة الصعلكة كما سنرى ٠وقد عبّر عنه امرؤ القيس في معلّقته قائلاً:

وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَه

عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي

فقلتُ له لمّا تمطّى بصُلبهِ

وأ ردفَ أعجازاً وناءَ بكلكل

ألا أيها الّليل الطّويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منكَ بأمثلِ

فيا لكَ من ليلٍ كأنّ نجومَهُ

بكلِّ مغار الفتلِ شُدَّت بيذبلِ

كأنّ الثريّا عُلِّقت في مكانها

بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمِّ جندلِ (١)

لعلّ الحالة البارزة التي يوحي بها النصّ هي حالة الاختناق التي يصعبُ التخلّص منها؛ فهناك شعور طاغٍ بالفراغ والملل والضجر ٠ وقد رسم الشاعر ذلك عبْر جعل الحسّي أكثر حسيّةً، وتحريك المشهد ضمن الحسّي والمشخّص، وعبرالتضايف، والحوار والتشبيه، وتماهي الأزمنة، والرجاء، والتّعجب ٠

<<  <  ج: ص:  >  >>