وقد يكون أحدُ وجوه الاغتراب أيضاً الشعور بالظلم من قبل الأهل والقبيلة؛ بمعنى إحساس الشاعر بأنّه متروك أو مهمل من أقرب الناس إليه ٠ ولعلّ إحساس" عنترة " الدائم بالحزن الذي يشكّل الخلفيةَ الأساسية لشعره كاملاً سببُه عائدٌ إلى شعوره بالظلم، وعدم قدرته – بسبب هذا الظلم – على ممارسة حرّيته أو الوصول إلى عبلة ٠
وللاغتراب في الشعر الجاهلي إلى جانب ما تقدّم وجوهٌ مختلفة أخرى، أبرزها: الشعور بالخوف من الموت ٠ وقد ردّد الشعراءُ هذا كثيراً ٠فطرفة بن العبد يقول:
أرى الموتَ يعتامُ الكرامَ ويصطفي
عقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدّد
لعمرُكَ إنّ الموتَ ما أخطأَ الفتى
لكا لطولِ المرخّى، وثِنياه با ليدِ (١)
ويقول زهير بن أبي سُلمى أيضاً مؤكّداً أنّ الخوف لا يأتي من الموت نفسه، وإنّما من عدم قدرة هذا الموت على التّمييز بين الشاب والعجوز ٠لذلك فالإنسان يعيش في قلق دائم٠
رأيتُ المنايا خبطَ عشواء مَنْ تصب
تمتْهُ ٠ومَنْ تخطئ يُعمَّرْ فيهرمِ (٢)
أمّا الذي يُخطئه الموت، فإنه سيواجه مشكلة أخرى تجعله مغترباً وقلقاً ومضطرباً على الدوام هي الشيخوخة التي يقول فيها زهير أيضاً:
سئمتُ تكاليفَ الحياة ومَنْ يعشْ
ثمانينَ حولاً لا أبا لكَ يسْأمٍ (٣)
ويلخّص السموءل قلقَ الشاعر الجاهلي واغترابه من الموت بقوله:
كيفَ السّلامةُ إنْ أردتُ سلامةً
والموتُ يطلبُني، ولستُ أفوتُ
ميتاً خُلِقتُ، ولم أكنْ من قبلها
شيئاً يموتُ، فمتُّ حيثُ حُييتُ (٤)
وقضيةُ الموت هذه شغلت قبل ذلك أيضاً الإنسانَ البدائي فعبّر عنها من خلال بحثه الدائم عن الخلود ٠ وما أسطورة " الموت والانبعاث " التي جسّدتها الأساطير البدائية، وكذلك انشغال "جلجامش " بالبحث عن وسائل لاستمرار الحياة وخلودها إلا من قبيل انعكاس أثر الموت على الإنسان، وما خلّفه ويخلّفه من شعور دائم بالقلق ومن ثَمّ الاغتراب ٠