للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نستغرب حين نقرأ، مثلاً، دراسة متخصّصة في شعر الصعاليك، وهي ذاتُ سمعة علمية لا نشكّ بأهميتها، كدراسة يوسف خليف " الشعراء الصعاليك " (١) التي تمتدّ حتى ثلاثمئة وخمسين صفحة والتي تناول فيها، تقريباً، كلَّ ما يتعلّق بموضوعه، ولكنّ هذا التناول كان أُفقيّاً؛ بمعنى أنّه لم يتطرّق إلى الجانب الأهمّ في شعرهم الذي يمكنُ اعتباره القوّة التي تكمنُ وراء شعريّة شعرهم، وقوّة فنّهم، وتأثيره واستمراره حتى اليوم ٠ هذا الجانب هو الجانب التراجيدي ٠ وهو يمثّل النبضَ الحيّ الذي يحرّك فيه الخيوط الفنية والجمالية كافة ٠ ويمكن القول: إنّه وراء الخصوصيّة التي تميّز شعرَ الصعاليك من غيرهم في العصر الجاهلي، وهو سببٌ أساسي من أسباب تفرّدهم، إلى جانب أنّ النكهة التراجيدية تتناغم وأسباب نشوء الظاهرة المميّزة ٠

ولابدّ من الإشارة إلى أنّ المؤلّف تناول هذا الجانبَ ضمن فقرة وحيدة لا تتجاوز سبع صفحات، عنوانها " أحاديث التشرّد " ٠ وقد قرأ " التشرّد " قراءة سطحية، ولم يستغلّه للبحث عمّا هو أعمق في تلك الظاهرة، وبخاصّة أنّ موضوع " التشرّد " خلّف في شعر الصعاليك مشاعر مأساويّة لا يكاد نصٌّ يخلو منها، على الرّغم من أنّه ليس دائماً ظاهراً فيه ٠ وقد اهتمّ المؤلّف في هذه الفقرة بإحصاء أنواع " حيوانات الصحراء " التي تناولها الشعراء الصعاليك، وكيف رسم هؤلاء صورَ بعض تلك الحيوانات كالأسد والضبع والحمار الوحشي وغيرهم ٠

لقد قدّمت دراسةُ " يوسف خليف " معلومات وثائقية هامّة، ولكنّها لم تقترب من روح شعر الصعاليك ٠

<<  <  ج: ص:  >  >>