للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحتلّ الحرية الفردية مركز الدائرة في النظام السياسي الذي أقامته الثورة الفرنسية للمجتمع السياسي.

تنص المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية في ٢٦ آب ١٧٨٩ م على أن الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق ويبقون كذلك، وتسلِّط المادتان الرابعة والخامسة ضوءً قوياً على مضمون المادة الأولى يكشف حقيقة هذه الحرية التي يتمتع بها الإنسان بمقتضى إنسانيته نفسها وبمجرّد واقعة ميلاده ذاتها. فالمادة الرابعة تعرِّف هذه الحرية الطبيعية بأنها قدرة الفرد على القيام بكل مالا يلحق ضرراً بالآخرين؛ وهكذا، كما تقول المادة، فإنه لا حدود لممارسة الحقوق الطبيعية لكل إنسان إلاّ تلك التي تؤمِّن للأعضاء الآخرين للمجتمع التمتع بهذه الحقوق نفسها؛ وتسند المادة إلى القانون وحده تحديد هذه الحدود. وواضح إذن أن الحرية التي يكرِّسها الإعلان هي في ذاتها حرية مطلقة، حرية الفرد في أن يفعل ما يشاء ويدع ما يشاء؛ إنها ليست خاضعة لقانون سابق أي لمعيار أخلاقي يضبطها ويحدِّد لها مسالكها، والقانون الوحيد الذي يضبطها لا شأن له بمضمونها الداخلي وإنما هو يضبط علاقاتها الخارجية مع حريات الآخرين حتى لا تفتئت عليها وتبقى حرية كل فرد مطلقة في عالمها الداخلي؛ ونصّ المادة الرابعة يُشعِرُ بوضوح بنفي أي معيار لضبط الحرية الفردية غير القانون الوضعي الذي يتولّى وحده تعيين الحدود الفاصلة بين الحريات الفردية؛ وينبني على هذا النفي نتيجة خطيرة بيّنتها المادة الخامسة هي أن كل مالا يحرمه القانون لا يمكن منعه وما لا يأمر به القانون لا يمكن إجبار أحد على فعله. فالقانون هو إذن خادم للحرية الفردية لا حاكمُ عليها، إنه مأمور لا آمر، مأمور بأن يؤدّي في خدمتها مهمة ليس له أن يتجاوزها، وهذه المهمة المحصورة قد بيّنتها المادة الخامسة: (ليس للقانون الحق في أن يمنع غير الأعمال الضارة

<<  <  ج: ص:  >  >>