فأعمل الثاني، ولو أعمل الأول لقال:(سببت وسبّوني بني عبد شمس) بنصب (بني) وإظهار الضمير في (سبني) ، وقال طُفَيْل الغَنَوِي:( [٦٦] )
جَرَى فَوْقَهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَا
قد أعمل الشاعر الثاني ولو أعمل الأول لرفع (لون مذهب) . وقال رجل من باهلة:( [٦٧] )
تُصْبِي الحليمَ ومِثْلُهَا أَصْبَاهُ
وَلَقَدْ أَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَةٌ
قد أعمل الشاعر الثاني في (سيفانة)) بدليل مجيئه مرفوعًا". ( [٦٨] )
" وأما القياسُ فهو أن الفعل الثاني أقرب إلى الاسم من الفعل الأول وليس في إعماله دون الأول نقض معنى، فكان إعماله أولى، ألا ترى أنهم قالوا:(خشنت بصدرِهِ وصدرِ زيدٍ) فيختارون إعمال الباء في المعطوف، ولا يختارون إعمال الفعل فيه؛ لأنها أقرب إليه منه وليس في إعمالها نقض معنى، فكان إعمالها أولى.
والذي يدل على أن للقرب أثرًا أنه قد حملهم القرب والجوار حتى قالوا:(جُحْرُ ضبٍ خربٍ) فأجروا (خربٍ) على (ضب) وهو في الحقيقة صفة للجحر؛ لأن الضب لا يوصف بالخراب". ( [٦٩] )
" ودليل آخر أن إعمال الأول يلزم منه الفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا، والفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا لا نظيرَ له إلا في الاعتراض، والاعتراض لا اعتبارَ له لقلته.
ودليل آخر وهو أن إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بدليل قول سيبويه:" ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك، وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [٧٠] )