فهذا النص يقتضي أن العرب لا تعمل إلا الثاني لأنه ذكره بلفظ (إنما) التي للحصر، فلو اقتصر عليه لما كان عن عمل الثاني عدول، ولكنه قال بعد بأسطار " وقد يجوز: ضربت وضربني زيدًا؛ لأن بعضهم يقول: متى رأيت أو قلت زيدًا منطلقًا ... ". ( [٧١] ) فذكره في الأول بلفظ (إنما) كما تقدم، وقوله في الثاني لأن بعضهم يدل على أن إعمال الثاني هو الكثير، وإعمال الأول قليل، وهذا إنما قاله سيبويه نقلاً عن العرب، بدليل قوله:" وإنما كلامهم" والحملُ على ما كثر في كلام العرب أولى من الحمل على ما قلّ". ( [٧٢] )
رد البصريين على أدلة الكوفيين:
" أما قول امرئ القيس:
كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ
فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ
فنقول: إنما أعمل الأول منهما مراعاةً للمعنى؛ لأنه لو أعمل الثاني لكان الكلام متناقضًا، وذلك من وجهين، أحدهما: أنه لو أعمل الثاني لكان التقدير فيه: كفاني قليلٌ ولم أطلب قليلاً من المال، وهذا متناقض؛ لأنه يخبرنا تارةً بأن سعيه ليس لأدنى معيشة، وتارةً يخبرنا بأنه يطلب القليل، وذلك متناقض، والثاني أنه قال في البيت الذي بعده:
وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثَالِيْ
وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ
فلهذا أعمل الأول ولم يُعمِل الثاني، وأما قول الآخر:
بِهَا يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدَلاَ
وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا
فنقول إنما أعمل الأول مراعاةً لحركة الرويّ؛ فإن القصيدة منصوبة، وإعمال الأول جائز، فاستعمل الجائز ليخلص من عيب القافية، ولا خلاف في الجواز، وإنما الخلاف في الأولى". ( [٧٣] )