وقد حدد السجلماسي مفهوم التجاوز من خلال استخدامه لكلمة العدول وهي تقابل مصطلح الانحراف الأسلوبي في النقد المعاصر، والذي يقابله بالإنجليزية كلمة (Deviation) . يقول:"العدول: والموطئ من أولية مثالية الاسم والحمل والمطاوعة بين. أعدله فعدل كالذي تقدم في صدر هذا الجنس. فالعدول مثال أول مصدر عدل عدولاً، وجهة تلاقي النقل فيه أيضاً النسبة، فلنقل في الفاعل وهو: افتنان إرادة وصف المتكلم شيئين إلى القصد الأول أو الثاني. والعدول اسم محمول يشابه به شيء شيئاً في جوهره المشترك لهما، فلذلك هو جنس متوسط تحته نوعان: أحدهما: التتمة، والثاني: التوجيه. وذلك لأنه إما أن يكون الأول تأكيداً أو تلاقياً أو غير ذلك من أغراض القول"(٣٨) .
فالعدول أو التجاوز أو الاتساع هي تسميات تؤكد اهتمام السجلماسي وإدراكه للمستوى الفني المتمثل بأنماط الغموض ومرادفاته التي تشكل جوهر الصناعة الشعرية. فالعدول أو الاتساع هو الغموض الفني أصلاً، لأنه يتجاوز من خلاله المبدع المعاني الأول إلى المعاني الثواني وهي التي تشكل بنية النص، وتمنحه خصوصيته الفنية. فالاتساع هو الذي يضع القارئ في دائرة التأويل وتعدد الاحتمالات، وبهذه الاحتمالات يتشكل النص الابداعي، حيث إن جوهر الصناعة الشعرية ينطلق من تعدد الاحتمالات، والتأويل، وبهذا يتكون الغموض الفني الذي يعطي النص الحيوية، ويخلق فيه اللذة التي تدهش القارئ وتسره. يقول السجلماسي:"والاتساع هو اسم مثال أول منقول إلى هذه الصناعة، ومقول بجهة تخصيص عموم الاسم على إمكان الاحتمالات الكثيرة في اللفظ بحيث يذهب وهم كل سامع سامع إلى احتمال احتمال من تلك الاحتمالات، ومعنى من تلك المعاني. وقول جوهره في صنعة البديع والبيان هو صلاحية اللفظ الواحد بالعدد للاحتمالات المتعددة من غير ترجيح. وقيل: هو أن يقول المتكلم قولاً يتسع فيه التأويل"(٣٩) .