والخميص في الأصل: الجائع، والخمص: الجوع، وأراد بوصفه الزمن بخميص أنه جائع من فيه، فالصفة للزمن، والمعنى لأهله، يقول لهم: اقتصروا على بعض ما يشبعكم، ولا تملأوا بطونكم من الطعام فينفد طعامكم، فإذا نفد طعامكم احتجتم إلى أن تسألوا الناس أن يطعموكم شيئاً، وإن قدرتم لأنفسكم جزءا من الطعام ولم تكثروا من الأ كل عشتم، وفي رواية سيبويه: تعفوا بدل تعيشوا وعلى هذا يكون المعنى.. عففتم عن مسألة الناس، وتعيشوا أو تعفوا مجزوم لأنه جواب الأمر (١١٦) .
قد عضّ أعناقَها جِلدُ الجواميس
(٣٦) تدعوك تيمٌ وتيمٌ في قرى سبإ
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله، فقد أراد الشاعر: جلود الجواميس، فأفرد وهو يريد الجماعة.
والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (١١٧) على أن الشاعر قال: جلد الجواميس بالإفراد ولم يقل جلود الجواميس في مقابلة أعناقهم، وروايته فيه:
قدْ عَضَّ أعناقَهم جلدُ الجواميس
الواردون وتيم في ذرا سبإ
والبيت أيضاً من شواهد الكشاف للزمخشري (١١٨) ، وروايته فيه مثل رواية الطبري والفراء، وقد استشهد به الزمخشري على صرف كلمة سبإ، وذلك في تفسير قوله تعالى " وجئتك من سبإ بنبإ يقين "(١١٩) عند من يصرفه حيث جعله الحي، أو الأب الأكبر، وأما من لم يصرفه فيجعله اسم القبيلة.
وقد ذكر محقق تفسير الطبري (١٢٠) أنه لم يقف على البيت في المراجع، ولا على قائله، والبيت لجرير في ديوانه، وروايته فيه:(١٢١)
قد عض أعناقهم جلدُ الجواميس
تدعوك تيمٌ وتيمٌ في قرى سبإ
وهو من قصيدة قالها جرير في هجاء التيم. ومعناه: تيم في قرى سبإ مغلولون من جلد الجواميس بحيث يعض أعناقهم.