للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يقول لكُتّابه ( [١٣٠] ) :» إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا «.

وسبق أن بيّن لنا ابن خلدون في الحديث عن المعنى الاصطلاحي للتوقيع الكيفية التي تنم فيها التوقيعات في مجلس الخليفة أو السلطان.

وكما برع العباسيون في فن التوقيعات كذلك برع فيها الأندلسيون ( [١٣١] ) ، ولا سيما بعد استقرار دولتهم، وأخذهم بأسباب المدنية والحضارة.

والتوقيعات عند الأندلسيين في حاجة إلى بحث مستقل، فعسى أن أوفق إلى ذلك.

مقاييس التوقيع الأدبي:

ليس كل توقيع يصلح أن يكون توقيعًا أدبيًا، وإنما يشترط في التوقيع لكي يكون كذلك الشروط التالية:

١- الإيجاز، وهو أن تكون ألفاظه قليلة معدودة ذات معانٍ غزيرة.

وقد بالغ بعض الكتاب والأدباء في وجازة التوقيع؛ حتى إن بعضهم اقتصر في بعض توقيعاته على حرف، أو نقطة. ذُكرَ أن الصاحب بن عباد الوزير الأديب المؤلف وقّع في رقعة بألف، وفي أخرى بنقطة، وذلك أنه التمس منه بعض السائلين شيئًا من مال، ثم كتب في آخر رقعته» فإن رأى مولانا أن يَفْعَلَ ذلك فَعَل «، فوقع الصاحبُ قبل (فَعَل) ألفًا، فصار (أفعلُ) . وأما النقطة فإنه وضعها في رقعة على لفظة (يفعل) ، فنقط الياء من فوقها فصارت نونًا ( [١٣٢] ) .

ولا شك أن ما فعله الصاحب يعد من التوقيعات المستظرفة المستملحة، وإن كان يبدو توقيعه متكلفًا لا بلاغة فيه.

١ - البلاغة، وهو أن يكون التوقيع مناسبًا للحالة، أو القضية التي قيل فيها.

٢ - الإقناع: وذلك أن يتضمن التوقيع من وضوح الحجة وسلامتها ما يحمل الخصم على التسليم، ومن قوة المنطق وبراعته ما يقطع على صاحب الطلب عودة المراجعة.

ومن التوقيعات التي توافرت فيها الشروط الثلاثة ما وقع به عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي لعامله بحمص في الشام حينما كتب إليه أن مدينته تحتاج إلى بناء حصن لحمايتها من الأعداء:» حصنها بالعدل. والسلام « ( [١٣٣] ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>