وكذلك ما وقع به أبو جعفر المنصور حين كتب إليه عامله بمصر يذكر نقصان النيل» طهر عسكرك من الفساد، يعطك النيل القياد « ( [١٣٤] ) .
ومن التوقيعات المستحسنة ما كتبه يحيى بن خالد البرمكي في الاستبطاء والاقتضاء:» في شكر ما تقدم من إحسانك شاغلٌ عن استبطاءِ ما تأخر منه « ( [١٣٥] ) .
أثر التوقيعات في السياسة والأدب:
أسهمت التوقيعات الأدبية منذ أبكر عصورها في توجيه السياسة العامة للدولة الإسلامية، في عصر صدر الإسلام، ودولة بني أمية، ودولة العباسيين، وكان الخلفاء في أكثر الأحايين هم الذين يتولون توجيه ما يرد إليهم من رقاع أو خطابات أو معاملات كما نسميها بلغة عصرنا، وكان التوجيه في حد ذاته توقيعًا أدبيًا موجزًا يتضمن الرأي، أو ما يجب إجراؤه، ويكلون التوجيه والتوقيع إلى بعض الكتاب البلغاء تحت إشرافهم في بعض الأحيان، وكان في ذلك كله ثروة لا تقدر بثمن في بناء الدولة وسياسة الرعية، وإغناء التاريخ بالنافع المفيد، وإثراء الأدب والفكر، فالتوقيع يحمل رأيًا صائبًا، أو فكرة جديدة، أو حكمة بالغة، أو توجيهًا سديدًا. ويحرص كاتب التوقيع أن يكون توقيعه بليغًا مؤثرًا موجزًا، يعرضه في كلمات قليلة. وهذا أتاح للأدب العربي أن يظفر بطائفة من التعبيرات الأدبية الراقية، تضم إلى ما أثر عن العرب من حكم وأمثال وأقوال بليغة.